عريب الرنتاوي

كلمة السر، أو "الجملة السحرية" في خطابي رايس وبلير تتلخص في "تهيئة الظروف" لوقف إطلاق النار، وهي ذاتها الجملة التي تفسر اشتداد ضراوة الحرب الإسرائيلية المدمرة على لبنان في الساعات التي أعقبت زيارة الوزيرة الأمريكية للمنطقة، وإسراع واشنطن في تسليم جيش الاحتلال كميات إضافية من القنابل الذكية، وقود الحرب في أيامها المقبلة، والوسيلة المرتجاة لتدمير حزب الله وقتل قياداته.

بلير تحدث أمام المالكي عن "تهيئة الظروف"...ورايس قالت في لبنان وإسرائيل بـ"تهيئة الظروف" والوزير البريطاني الذي يجول في المنطقة، يرفض وقف النار ويتحدث بدوره عن "تهيئة الظروف" ويضيف إلى "الرواية الإسرائيلية" عن المواقف العربية الرسمية، تفصيلات جديدة، أهمها أن بعض العواصم العربية تشارك دول "العدوان الثلاثي" رأيها في ضرورة "تهيئة الظروف" لوقف النار، بخلاف ما يقال علنا عن تمسك هذه العواصم بوقف فوري لإطلاق النار...فالخشية المشتركة لهذه الأطراف تكمن في خروج حزب الله من هذه الحرب منتصرا أو مدعيا الانتصار، أو غير مهزوم بالكامل.

ما شهدته ساعات المواجهة الأخيرة التي أعقبت جولة الوزيرة الأمريكية، يدلل بما لا يدع مجالا للشك، بأن الولايات المتحدة ما زالت على تعهدها بمنح إسرائيل الوقت الكافي لتدمير ما تبقى من أهداف لم تدمر بالكامل من قبل، وأن "ديبلوماسية القنابل الذكية" هي الدبلوماسية الوحيدة المعتمدة أمريكيا حتى الآن، وبانتظار أن تسلم هذه المنطقة بالشرق الأوسط الجديد الذي وعدت به رايس: شرق أوسط خال من حزب الله وحماس ويكفل لإسرائيل أمنا أبديا من دون أن "تكلف خاطرها" حتى بمجرد البحث في إنهاء الاحتلال.

الحرب مستمرة، والمعارك القادمة قاسية، والظروف لن تتهيأ لوقف النار إلا بعد تدمير حزب الله...هذه هي الخلاصة التي جاءت بها رايس إلى المنطقة، وعادت بها بعد جولتها القصيرة، والأرجح أن مؤتمر روما الذي سيلتئم اليوم لن يخرج عن إطار "تهيئة الظروف".

لكن غاب عن اهتمام سيدة الديبلوماسية الأمريكية، أن حربها المجنونة التي تشن بوساطة إسرائيلية، لن تجلب في ثناياها سوى الموت والخراب، وأن تداعيات هذه الحرب القريبة والبعيدة، لن تأتي بالشرق الأوسط الجديد الذي تشتهيه واشنطن، وأن أي شرق أوسط ينبثق من رحم الغطرسة والعنصرية والقتل المجنون، لن يكون "أمريكيا" بحال من الأحوال، بل سيكون شرقا أوسطا مسيجا بالعمائم السوداء والبيضاء...ألم ينته العراق والشرق الأوسط الذي أريد له أن ينبثق بعد احتلال بغداد، إلى حكم العمائم والبنادق والطوائف؟.

ربما يقول البعض، بأن تقسيم المنطقة، بدءا من العراق مرورا بلبنان وانتهاء بآخر جمهورية أو إمارة أو مشيخة، هو هدف أمريكي أصيل، وأن في ذلك خدمة لمصالح واشنطن وتل أبيب الأبعد، وهذا أمر ينطوي على قدر من الصحة، لكنه لا يختصر المشهد برمته...فالصحيح كذلك، أن المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان، ما كان لها أن تنبثق وتستمر وتتصاعد إلا بفعل غياب أو ضعف الدولة الوطنية العربية، وشرذمة المنطقة أو تقسيمها لن تفضي فقط إلى إضعاف دولها وكياناتها، بل سيترتب عليها نشؤ قوى وتيارات وأحزاب ليس حزب الله وحماس سوى نسخة "معتدلة أو منقحة" عنها، عندها وعندها فقط، ربما تدرك هذه الإدارة – بطيئة الإدراك"، أو الإدارات القادمة، بأنها م صالحها وحساباتها تحترق بنيران الانقسامات والصراعات التي ستطاول من ضمن ما تطاول الدولة العبرية والدولة الأعظم الراعية لها.