نضال الخضري

على عكس النص القرآني ... حمالة حطب القرن الجديد قادرة على تقديم هدية من اليورانيوم المنضب، ومستلقية على وجه الحاضر كي تحجب وجهي، وتمسح كل المساحات الخضراء من ذاكرتي كي أقف عارية وسط الحشود ... لا لأستنكر بل لأثبت أنني أنثى قادرة على الخصب رغم المجازر ...

"حمالة الحطب"، ولست عنصرية بطبعي، لم تكن قادرة على نسيان تاريخ العبودية فتقدمه اليوم فكرة للدخول في دم الأطفال لأنهم لم يشهدوا الزمن الأمريكي المذل، واستفاقوا على الخوف الذي يكلل الابتسامات الشمعية في مساحة العواصم.

كنت اعتقد أن في زمن الحداثة صور مقيتة، وأن الموت الذي صدمنا منذ قرون ربما يقف عند حدود التحول الذي حلمت به منذ طفولتي وأنا أسمع ذكريات من عالم غائب، لكنني لا أستطع الرؤية عندما يصبح العالم على شاكلة واحدة ينتظر فرج الرب كي يقتنع أن مساحة حريتنا لا تتقلص بل تُحرق بمخزون الذاكرة الذي يتشكل اليوم.

في لحظات الحرب وليس الموت ربما أشاهد آخر الذكور ... وأول قارب نجاة ... وأعرف أن المجزرة في النهاية لن تشكل سوى ذاكرة، لكنني أريدها ذاكرة التحرر من القلق والرعب ومشاهد الموت التي تطرق العين بغفلة عن صاحبها، فأنا والقلق تاريخ طويل لا أعرف من أين يتسرب إلي .. ربما من الوجوه البلهاء التي تجتمع ولا تجتمع، ثم تضحك لعدسات المصورين لأن "شر البلية ما يضحك".

وفي ثواني الموت أكسر الظلمة أشاهد "حمالة الحطب" وكأنها هاربة من أساطير الإغريق وليس من التراث الذي نملكه، لأن صورة المنجل الذي يحصد الأرواح هي في ذاكرة الآخر، أما ذاكرتي فممنوع عليها الاحتفاظ بالرسوم، لأن مثل هذه الأشكال ربما تشكل الحقد ... ونحن شعوب السماحة!!!

ليس علي الاعتذار من أحد بعد اليوم، لأن الدم يغطي وجهي وأنا أبحث عن البقايا المتناثرة حولي، بينما يشكل الأطفال ما تبقى من المستقبل المسفوح أمامي ... وأنا لا أنتظر نهاية الحرب بل بدايتها ... أنتظر أن أعرف ثمن "الموت" بعيدا عن الوجوه الشمعية التي ترسم سلاما لا أعرف نهايته .. وربما تزرع بداية مجزرة جديدة ... فألملم دموعي وأبحث عن بداية الحرب التي لم تنطلق حتى الآن.