الاتفاق على وقف النار يواجه خلافاً على شروط تثبيته

اذا كانت مجزرة قانا الاولى قد انتهت بالتوصل الى اتفاق على "تفاهم نيسان" عام 1996 من اجل حماية المدنيين من اعمال العنف المتبادلة وعدم خرق اهداف مدنية في لبنان وعدم استخدام الاماكن المأهولة بالمدنيين والمنشآت الصناعية والكهربائية مركزا لانطلاق الهجمات، فهل مكتوب على ابناء بلدة قانا ان يتعرضوا لمجزرة ثانية من اجل التوصل الى اتفاق على وقف النار؟
الواقع ان اسرائيل بعدما فشلت في حربها البرية في تسجيل انتصار على مقاتلي "حزب الله" قررت اعتماد الغارات الجوية الكثيفة التي تستهدف المدنيين والاماكن السكنية والمنشآت الصناعية ردا على صواريخ الحزب التي تستهدف ايضا المدنيين وغير المدنيين في اسرائيل، بحيث باتت الحرب حربا على الآمنين والمدنيين من دون اي تمييز اكثر من استهدافها المواقع العسكرية والمقاتلين.
واذا كان مجلس الوزراء قد تبنى بالاجماع البنود السبعة التي تضمنتها كلمة الرئيس السنيورة امام مؤتمر روما بحيث ان الموافقة عليها يجعل وقف النار دائما وثابتا، فان إقدام اسرائيل على ارتكاب مجزرة قانا، جعل الرئيس السنيورة وحكومته يقرران رفض الدخول في اية مفاوضات قبل اعلان وقف فوري لاطلاق النار، وانتظار ما سيقرره مجلس الامن الدولي في هذا الشأن، والقيام بتحرك ديبلوماسي واسع لدى الدول الشقيقة والصديقة من اجل اخراج لبنان من محنته، وايضا لدى المحافل الدولية، والمنظمات العربية والاسلامية، من اجل وضع حد للمجازر التي ترتكبها اسرائيل والمساعدة على ايجاد الحلول الجذرية للمشكلات القائمة بحيث تكون الحرب الاسرائيلية على لبنان آخر الحروب.
والسؤال المطروح في ضوء التطورات الاخيرة هو: هل يتم التوصل في مجلس الوزراء الى اتفاق على البنود السبعة عند الدخول في بحث تفاصيل كل بند منها، وبالتالي اتفاق الاطراف المعنيين، اي الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل وسوريا وايران على ما يتعلق بصورة خاصة بشكل القوة الدولية ومهماتها وصلاحياتها وحدود انتشارها، بحيث يشمل هذا الانتشار مزارع شبعا ريثما يتم الاتفاق على ترسيم حدودها وطلب اخضاع الاحتلال الاسرائيلي لها لأحكام القرار 425 بدلا من احكام القرار 242 توصلا الى ازالة هذا الاحتلال؟
لقد اعلن وزراء "حزب الله" بعد موافقة مجلس الوزراء على البنود السبعة التي تضمنتها كلمة الرئيس السنيورة في مؤتمر روما انهم سجلوا تحفظهم عن ارسال قوة دولية الى جنوب لبنان بعد تعزيز عديدها وعتادها وتوسيع مهماتها ونطاق عملها، كما تحفظوا عن نشر هذه القوة في مزارع شبعا وطلبوا معرفة التفاصيل، وقال بعضهم ان الموافقة على البنود السبعة لم تطرح على التصويت كي تعتبر الموافقة نهائية، لكن التصويت في رأي مرجع حكومي يتم عندما يحصل خلاف، لذا فلا حاجة للتصويت عندما يحصل توافق على اي مشروع يطرح في الجلسة.
وما تخشاه اوساط سياسية مراقبة هو ان يكون لموقف سوريا السلبي من نشر قوة دولية تؤمن الاستقرار في الجنوب وفي مزارع شبعا وذات صلاحيات تمكنها من ذلك، تأثير على موقف وزراء "حزب الله" حتى اذا ما حصل خلاف عند البحث في تفاصيل البنود السبعة، فان هذا الخلاف يضعف موقف المفاوض اللبناني ويؤثر بالتالي على التضامن الوزاري، ويعرض وقف النار عند الاتفاق عليه للانهيار، وانهياره يبرر استئناف الحرب الاسرائيلية على لبنان وربما على نطاق واسع قد يحولها حربا اقليمية.
لذلك ترى الاوساط نفسها ان يتحمل مجلس الامن مسؤولية اتخاذ قرار بوقف اطلاق النار مقرونا بالشروط التي تجعله ثابتا ودائما لئلا يؤدي الخلاف عند البحث في هذه الشروط الى انهيار وقف النار، وعندها يصبح استئناف الحرب اشد ضراوة وتدميرا.
وترى هذه الاوساط من جهة اخرى، ضرورة عدم اقتصار البحث في هذه الشروط على اسرائيل ولبنان، بل ان يشمل اطرافا معنيين مثل سوريا وايران، لأن لهما رأياً في القرار ومشاركة فيه. فالولايات المتحدة الاميركية تريد ان تكون القوة الدولية قوة رادعة ومتعددة الجنسية وان تقيم منطقة عازلة وان يتخلى "حزب الله" عن سلاحه تنفيذا للقرار 1559 الذي يؤكد ما تضمنه اتفاق الطائف لهذه الجهة، والا فان الخسائر البشرية والمادية الفادحة التي سببتها الحرب تكون قد ذهبت سدى اذا عاد الوضع الى ما كان عليه قبل اندلاعها وظل لبنان معرضا في اي وقت لخطر تجدد الحرب على ارضه. وسوريا ليست مع نشر مثل هذه القوة في الجنوب بل تعزيز عديد قوة "اليونيفيل" ولا ترى حاجة الى نشرها في مزارع شبعا والبقاء فيها الى اجل غير معروف، وان في الامكان مطالبة اسرائيل سحب قواتها منها من دون الدخول في موضوع ملكيتها باعتباره شأناً لبنانياً سورياً. وهذا الموقف السوري يرمي الى احد امرين: اما ان يبقي الوضع في الجنوب هشاً، كما كان على مدى سنوات، وقابلا لعودة العنف اليه، وان يظل السلاح في يد"حزب الله" بذريعة ان مزارع شبعا لم يتم تحريرها من الاحتلال الاسرائيلي، واما ان تجعل الولايات المتحدة الاميركية تطرق ابوابها لتبحث معها في شروط وقف النار علَّها تقبض ثمن ذلك، خصوصا ان الامين العام للامم المتحدة كوفي انان وموفده تيري رود – لارسن ومسؤولين اوروبيين كبارا رأوا ان التوصل الى اتفاق على شروط وقف اطلاق النار سيكون صعبا من دون مشاركة ايران وسوريا.
لكن الرئيس بوش يكتفي بحثّ سوريا على المشاركة بنشاط في احلال السلام في الشرق الاوسط، ويدعو ايران الى ان تتخلى عن طموحاتها النووية. اما رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير فيرى انه ينبغي على البلدين المشاركة كعضوين يتحليان بتقدير المسؤولية في المجتمع الدولي والا "واجها خطر تزايد المواجهة"...
فهل تتوسع دائرة الحرب الاسرائيلية اذا لم يتم وقف اطلاق النار بشروط تجعله ثابتا تحقيقا لما يسمى "الشرق الاوسط الجديد"؟