الحرب الاسرائيلية الثانية على لبنان سيسجلها التاريخ بصفتها أكثر الحروب الاسرائيلية – العربية اخفاقاً من وجهة النظر الاسرائيلية. والانتقادات الهامسة لسير العمليات العسكرية واداء رئاسة الاركان الاسرائيلية وقادة المناطق العسكرية وسلوك القيادة السياسية، تحول اليوم انتقادات واضحة وعلنية لما يمكن ان يشكل مادة لـ"تقصير" جديد في تاريخ اسرائيل العسكري شبيه بالتقصير الذي وقعت فيه اسرائيل في حرب تشرين عام 1973.
لم ينتظر المحللون والمعلقون الاسرائيليون وقف المعارك كي يتحدثوا عن اخفاقات الجيش وقيادة الاركان في ادارة المعارك العسكرية. ففي رأي العديد منهم ما جرى في الاسابيع الثلاثة الماضية في ساحات القتال والمواجهات مع "حزب الله" يثير علامات سؤال خطيرة تتناول قضية اتخاذ القرارت على المستوى السياسي وترجمتها على مستوى قيادة اركان الجيش الاسرائيلي في خطط عسكرية الى تنفيذ تعليمات وأوامر القيادة على مستوى قادة المناطق العسكرية وانتهاء بأداء الجنود الاسرائيليين أنفسهم في القتال.
يحمّل الاسرائيليون رئيس أركان الجيش مسؤولية التردد والانتظار لمدة أسبوعين من اجل اتخاذ قرار القيام بعملية توغل بري واسعة داخل الاراضي اللبنانية بهدف "تنظيفها" من مقاتلي "حزب الله" قبل تسليمها للقوات الدولية. فلقد أدى هذا التأخر الى نتائج كارثية على اسرائيل أهمها: استمرار سقوط صواريخ الحزب على المدن والمستوطنات الاسرائيلية وبلوغها مناطق ابعد من حيفا مما كبد اسرائيل خسائر كبيرة في الارواح و تسبب باهتزاز الاعتقاد بقدرة اسرائيل على تأمين امن مواطنيها.
على الصعيد العسكري أدى تأخر رئاسة الاركان في ادخال فرق كبيرة للجيش الى المناطق المتاخمة للحدود تجنباً لوقوع خسائر في صفوف الجند والاكتفاء بمجموعة من فرق النخبة الى نتيجة عكسية تجلت في الخسائر في الارواح التي تكبدتها هذه الفرق في المعارك الضارية التي خاضها مقاتلو الحزب في بنت جبيل ومارون الراس مما انعكس سلباً على صورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر والذي يعتبر أقوى جيش في المنطقة.
ومن الانتقادات التي توجه ايضاً الى رئيس الاركان أنه اعتمد بصورة كبيرة خلال الاسبوع الاول للقتال على سلاح الجو معتقداً أنه بذلك قادر على شل حركة مقاتلي "حزب الله" لا سيما بعد تدمير معقلهم في الضاحية ومحاولة سلاح الجو اغتيال قادة الحزب. ولكن سرعان ما اتضح ان تدمير سلاح الجو الجسور والمطارات والبنى التحتية في لبنان في الايام الاولى للقتال لم يساعد اسرائيل فعلاً على كسر القدرة القتالية لـ"حزب الله" ولا على وقف اطلاق الصورايخ على تجمعاته السكانية، وتحول الدمار الناتج عن القصف الى نوع من العقاب الجماعي للشعب اللبناني عامة ولسكان الجنوب خاصة ركيزة "حزب الله"، وأتت حادثة قصف المبنى السكني في قانا لتفاقم في محنة القادة العسكريين وقد تجلى ذلك في القرار الذي اتخذ عقب المجزرة بوقف عمليات سلاح الجو لمدة يومين.
ولكن الاخفاق لا يقتصر على مستوى القيادات وانما يطاول ايضاً صفوف الجند الذين ظهرت ثغرات كبيرة في ادائهم القتالي الذي عزاه الاسرائيليون الى وقف التدريبات في الفرق الكبيرة على سيناريوات حربية، وتركيز الاهتمام في السنين الماضية على المواجهات مع الفلسطينيين وهي مواجهات محدودة لا علاقة لها بالمعارك الشرسة والضارية التي يضطر الجنود الى خوضها ضد مقاتلي "حزب الله".
وان دل هذا على شيء فهو يدل بوضوح ان الحكومة الاسرائيلية اتخذت قرارها بدخول المواجهة مع الحزب من دون اعداد عسكري دقيق ومن دون خطط واضحة ومدروسة. وابرز دليل على ذلك التغير الدائم للأهداف العسكرية والسياسية للحرب.
كل هذه التقصيرات التي لا بد ستشكل مادة نقاش داخلي اسرائيلي من شأنه ان يحدث كما يتوقع كثيرون "هزة أرضية" في اسرائيل تغير ملامح الخريطة السياسية الحالية.
لكن هذا لا يعني ان الجيش الاسرائيلي مستعد للقبول باخفاقاته وترجمة ذلك بتنازلات سياسية او بتسوية ما. فالراهن حتى الان ان هذا الجيش بصدد استنتاج الدروس والعبر والالتفاف على اخفاقاته وتحقيق انجازات عسكرية قبل التوصل الى وقف النار.