موقف الملك وحديثه الصحفي الاخير حول العدوان الاسرائيلي الهمجي على لبنان وفلسطين ومجمل الاوضاع العربية الراهنة ، انما هو حديث «الحكمة ضالة المؤمن» ، فالموقف لا بد وان يكون منسجما مع الظروف والتطورات ، بمعنى ان المبادىء ثابتة ، اما المواقف فمتحركة وفقا للتطورات التي تتطلب حراكا في المواقف بما ينسجم مع ثبات المبادىء والقيم ،
ومواقف الملك وحديثه تثبت مجددا ان الملك «عربي» السياسة والنزعة والفكر بكل المفاهيم والمقاييس والاعتبارات ، فالعروبة ومصالحها تتقدم على اية مصالح اخرى ، حتى وان كانت وطنية في بعض الحالات ، وهذا واقع جسد الحالة الاردنية عبر العقود ، عندما كان الاردن يؤثر مصالح الامة على مصالحه ، وعندما كان يرفض المال على حبه وحاجته الماسة له ، حين يتعلق الامر بالعرب والعروبة.
نعم ، الملك الهاشمي سليل آل البيت ، لا يمكن الا ان يكون عربي النزعة والهاجس والضمير ، وهو امر يتجذر يوميا في المواقف الاردنية التي يرعاها الملك ، على ان هناك فرقا بين موقف لا ينطوي على اي قدر من المسؤولية والتبعات ، وموقف لا بد وان تترتب عليه تبعات قد تلحق الضرر بالوطن وبمجموع الناس ، وهذا ما يلحظه العامة في مواقف افراد او اطراف تبحث عن النجومية في اعلان المواقف التي لا تترتب عليها اية تبعات ، وفي مواقف قادة ومسؤولين يعرفون ان تبعات ستترتب على مواقفهم وستنعكس على مصالح العامة من مواطنيهم او امتهم على حد سواء ،
يقول لنا الملك ان الحكمة اساس في اتخاذ المواقف ، لكن ذلك لا يعني اطلاقا ، التنازل لا قدر الله عن قول كلمة الحق او عن الحقوق او مجاملة المعتدي ايا كان ، فالحقوق العربية والكرامة العربية وسيادة العرب على ارض العرب ، ثوابت لا تنازع فيها ولا تنازل ، ويقينا ، فإن الملك العربي الهاشمي ، هو الانسان الاكثر تماسا مع هذه الثوابت ورفضا لتجاوزها مهما كانت التضحيات ،
جملة حقائق يقررها حديث الملك ، منها ان الزمن الراهن ليس زمن القوة العسكرية في حل الصراع ، بل العكس هو الصحيح ، فالقوة العسكرية تزيد الصراع تعقيدا ، وتؤجج النفوس ضد اية محاولات او جهود لاحلال السلام.
ومنها ان الهاشميين هم حملة رسالة وحدة صف المسلمين ، وان قضية فلسطين هي مفتاح السلام والاستقرار في المنطقة ، وان هذا السلام لا يمكن تحقيقه الا بعودة الحقوق العربية كاملة غير منقوصة ، وان عدم عودة هذه الحقوق التاريخية الثابتة ، سيصعد العنف والتوتر في المنطقة ، وسيزيد حمى المقاومة التهابا وسيؤجج مشاعر العامة في دعم المقاومة باعتبارها الخيار الوحيد لبلوغ الاهداف الوطنية والقومية المشروعة.
عروبة الملك عبدالله الثاني ، هي البوصلة التي تحدد مسار السياسات الوطنية والقومية الاردنية ، تلك حقيقة يدركها المنصفون المحايدون ، فهي عروبة صافية في اهدافها ومراميها ، وهي تتقدم على اردنية الملك بالضرورة ، وذلك امر ليس مستغربا ابدا ، فمن كان هاشميا ، لا بد وان تكون صفته الاولى هي «العروبة» ، ومحمد صلوات الله وسلامه عليه نبي عربي ، ويا لعمق دلالة قولنا «النبي عربي»، ،
في الاطار ذاته ، فان الملك عربي ، عربي مخلص لفلسطين الشقيقة وقضيتها العادلة ، ولسورية الشقيقة وارضها المحتلة ، وللبنان الشقيق الذي يواجه الغطرسة الصهيونية البشعة ببطولة لا توصف ، فالملك لا يقرأ من كتاب العروبة ، وانما يدون عروبته في كتاب خصص لكل من هو عربي الهوى والفكر والحمية والوجود.. وقطعا فإن عبدالله الثاني في الطليعة من هؤلاء ،
ثم.. حديث الملك مقدمة طيبة لمصارحة عربية شاملة ، ولموقف عربي موحد واستراتيجية عربية واحدة ، وهو مشهد قد تكون الخطوة الاولى فيه ، من العتبة الاردنية السورية تحديدا ، انطلاقا الى السعودية ومصر والبحرين والكويت ، وصولا الى قمة تؤسس لاستراتيجية جديدة لا مجال للتنازل عنها ولا بد من تطبيقها كسبيل لحلول تاريخيه في المنطقة ، ولا بد للاطراف ذات العلاقة كافة ، من ان تأخذ بها.
انا قرأت حديث الملك على انه بداية لعهد سياسي جديد عربيا بإذن الله ، ولربما كان الملك ومعه اخوانه الاسد وعبدالله ومبارك وغيرهم ، هم في طليعة العرب الذين بمقدورهم تحريك ما تجمد ولعقود طويلة ،