ان الذي أدى الى هذه الحرب الخاسرة في لبنان التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم من دون أمل هو الجشع الاسرائيلي للمزيد من الاراضي. اسرائيل لا تقاتل هذه المرة من اجل الاحتلال، لا وألف لا، ولكن انهاء الاحتلال كان من شأنه الحؤول دون وقوع هذه الحرب التي لا فائدة منها.فلو اعادت اسرائيل الجولان في الوقت الملائم ووقعت اتفاقاً للسلام مع سوريا في الوقت الملائم ربما لما نشبت هذه الحرب. السلام مع سوريا هو الذي يضمن السلام مع لبنان، والسلام مع الاثنين هو الذي سيمنع "حزب الله" من زيادة قوته على الحدود الشمالية لإسرائيل. كما ان السلام مع سوريا كان من شأنه ان يعزل ايران الخصم الحقيقي والأخطر لإسرائيل وان يقطع عن "حزب الل" احد مصادر سلاحه. رغم بساطة هذا كله فانه بعيد عن التفكير الاسرائيلي الذي يتعرض الى عملية غسل دماغ.

منذ اعوام تخوض اسرائيل حرباً ضد الفلسطينيين السبب الاساسي لها هو الاصرار على الاحتفاظ بالاراضي المحتلة. فلولا مشروع المستوطنات لانسحبت اسرائيل من الاراضي المحتلة ولتراجع الدافع الى النزاع الى حد كبير. هذا لا يعني ان اسرائيل عندما تتخلى عن الاحتلال ستصبح صديقة العالم العربي ولكن نار الكراهية الموجهة ضدها كان من الممكن ان تتضاءل كثيراً والذين سيواصلون محاربتها سيجدون انفسهم معزولين. الحرب ضد الفلسطينيين هي حرب على الارض وحرب على المستوطنات. بكلام آخر: في الضفة والقطاع عمليات القتل تحدث بسبب جشعنا للاراضي. منذ ايام غولدا مئير وحتى ايام ايهود اولمرت ننشر الاكاذيب ونقول ان الحرب على الفلسطينيين هي حرب على الوجود فرضت علينا، في الوقت التي هي حرب عقارية على دونم بعد دونم من دون توقف.

الوضع مختلف مع سوريا. منذ 33 عاماً تخلى السوريون عن الصراع العسكري من اجل اعادة اراضيهم المحتلة. باستطاعة اسرائيل ان تصدر عشرة قوانين تقضي بـ"ضم الجولان" ولكن الارض المحتلة تبقى محتلة. في هذه الاثناء انتشرت نظرية في اسرائيل تقول لا ضرورة للسلام مع سوريا: فالسوريون يلزمون الهدوء فلماذا علينا اعادة الجولان اليهم؟ وهذا التفكير المشوش والخطر هو الذي طبع العشرين عاماً الاولى من احتلال الضفة والقطاع، حين التزم الفلسطينيون الهدوء وخضعوا تحت جزمة الاحتلال الاسرائيلي ولم يخطر على بال احد اعادة اراضيهم اليهم. وفي ظل هذا الاحتلال اقامت اسرائيل مستوطناتها. وعندما ادرك الفلسطينيون انهم سيخسرون اراضيهم الى الابد بدأوا صراعهم المسلح. وبعد ان سفكت الدماء استيقظت اسرائيل من حلمها واعترفت بأنها غير قادرة على الاحتفاظ بالمناطق الفلسطينية الى الابد. وهكذا ولد بعد تأخر سنين طويلة وبعد سفك الكثير من الدماء الاعتراف بمنظمة التحرير واتفاقات اوسلو وخطتا الفصل والانكفاء وكلها حلول جزئية وهمية هدفها تأجيل انهاء الاحتلال.

مع السوريين لم نكن محتاجين لهذا كله.صحيح انهم كانوا هادئين.ولكن نشوب الحرب في لبنان اثبت اننا اسأنا فهم ذلك. فرغم وقوف السوريين جانباً فان الخطر من هذه الناحية لم يختف، والاعتقاد الخاطىء باننا قادرون على الاحتفاظ بالجولان الى الابد قد انقلب اليوم علينا. فالحرب الحالية قد يتضح انها مقدمة لحروب مقبلة قد تكون اخطر بكثير. القول ان الزمن يعمل لمصلحتنا هو كلام واهم. فطوال هذا الوقت تسلح العالم العربي والاسلامي، وخطر السلاح النووي والصورايخ البعيدة المدى يحوم فوق رؤوسنا. الجواب الوحيد على ذلك هو معالجة معظم نقاط الاحتكاك قبل انفجارها. فإما ان تختار اسرائيل اغماض عينيها وبناء مستقبلها على هدوء موقت او ان تبادر الى المزيد من العمليات الحربية. وتحديداً في الوقت الذي بدأ فيه البعد الجغرافي يفقد من اهميته العسكرية بسبب تطور وسائل القتال، تمسكت اسرائيل بالأراضي بذرائع امنية. لقد ضيع رئيس الحكومة السابق ايهود باراك الفرصة لتوقيع اتفاق سلام مع سوريا لأنه وفقاً للعديد من الشهادات تراجع في اللحظة الأخيرة.
ما يحصل عندنا انه عندما يبقى الطرف الثاني هادئاً نقول لماذا علينا اعادة اراضيه؟ وعندما يشن حربا علينا نقول "لا يوجد محاور لنا" ولن نتفاوض تحت النار.وفي الوقت الذي نقفز فيه في كل مناسبة الى الحرب – كما جرى ايضاً هذه المرة- فاننا نؤجل المفاوضات للسلام من دون توقف.

وحتى الآن امام حقيقة ان سوريا الملاحقة من جانب الولايات المتحدة والراغبة بشدة بالعودة الى المجتمع الدولي قد تشكل فرصة ملائمة للتوصل معها الى السلام هناك من يدعي ان الوقت لم يحن لذلك بعد. ماذا يقول الاميركيون؟ هم يعارضون اي تسوية مع بشار الاسد الاكثر كراهية بالنسبة اليهم في "محور الشر". وهذه ذريعة لتضييع فرصة ذهبية. ولكن كما جرى مع السلام مع مصر، السلام الذي ضمن حتى الآن امن اسرائيل أكثر من اي حرب جرى من وراء ظهر الاميركيين، كذلك أميركا غير قادرة على الوقوف ضد السلام مع سوريا.
اليوم بعد ان ضربنا "حزب الله" ودمرنا لبنان يجب على رئيس الحكومة ان يعلن: الجولان مقابل السلام. ان هذا من شأنه ان يساعد على ضمان أمن الكثيرين اكثر بكثير من عمليات التمشيط الجريئة في بعلبك. ولكن لهذه الغاية المطلوب شجاعة أكبر من تلك المطلوبة من اجل خوض حروب خاسرة لا جدوى منها.