قد يُحبِط الديموقراطيون (والجمهوريون) في الكونغرس، الذين يعارضون قرار الرئيس بوش إرسال مزيد من الجنود إلى العراق، خطّته، إنّما ليس – كما اقترح الديموقراطي ويب جيم كليبورن – من خلال فرض 21500 شرط على الـ 21500 جندي جديد. فمثلما هناك ضوابط على سلطة الرئيس كقائد أعلى للقوّات المسلّحة، هناك حدود لقدرة الكونغرس على توجيه خطوات الرئيس. وفي شكل خاص، لا يستطيع الكونغرس أن يستعمل سلطته في مجال الإنفاق للحدّ من قدرة الرئيس على تولّي مهماته. في الواقع، وعلى الرغم من أنّ المحاكمة في موضوع حرب العراق تبرز بقوّة في الخطاب السياسي السائد حالياً، فإنّ نتائج القرارات المهمّة المتعلّقة بالحرب تتراجع أمام موجبات مراعاة القواعد الأساسية التي تحكم التفاعلات بين السلطتين التنفيذية والاشتراعية والمتجذّرة في نسيجنا الدستوري المتميّز.

يميّز هذا النسيج الدستوري بين سلطتين سياسيتين متساويتين لكلّ منهما مسؤوليات محدّدة وصلاحيات شرعية مستقلّة. بناءً عليه، حتّى لو افترضنا أنّه كما يزعم النقّاد، كانت نتائج انتخابات تشرين الثاني دعوة إلى فكّ الارتباط في العراق، لا مكان في ثقافتنا الدستورية للجهود التي يبذلها بعض الديموقراطيين في الكونغرس لتأديب الرئيس من خلال طرح الثقة بسياسته في العراق. لم ينشئ واضعو الدستور نظاماً برلمانياً.

لكن بالتأكيد لا يعني هذا أنّ الكونغرس عاجز كلياً. فهو يستطيع – إذا كانت القيادة تحشد غالبيات كافية للتحصّن من الفيتو – أن يقطع على الفور التمويل عن العمليات الأميركية في العراق. كما يستطيع أن يرفض منح مخصّصات جديدة عند نفاد المخصّصات الحالية. رفض تمويل سياسات معيّنة – سواء في الحرب أم السلم – هو الضابط الأهمّ المفروض على السلطة التنفيذية في التقليد السياسي الأنغلو - أميركي، ويعود إلى تمسّك البرلمان البريطاني في القدم بحقّ المطالبة بمعالجة الشكاوى قبل التصويت على الإعانات (أي الأموال) التي تُمنَح للملك. لكن بحسب نظامنا الدستوري، لا تعني صلاحية حجب التمويل امتلاك السلطة لفرض قيود أقلّ مثل تحديد معايير أو شروط أخرى لإدارة الرئيس للحرب. بعبارة أخرى، لا يستطيع الكونغرس أن يتصرّف وكأنّه محرِّك الرئيس، وما دام التمويل المخصَّص والمسموح به حالياً قائماً، يستطيع الرئيس أن يرسل جنوداً إضافيين إلى العراق بموافقة الكونغرس أو من دونها.

أحياناً الخطّ الفاصل بين سلطتَي الكونغرس والرئيس غير واضح، ولا تملك أيّ محكمة صلاحية النظر في هذه المسألة. لكنّ التحليل واضح. عندما تمارس كلّ من السلطتين السياسيّتين صلاحيّاتها الدستورية بطريقة تؤدّي إلى تعارض بينهما – سيناريو تصوّره واضعو الدستور بوضوح – المبدأ الدستوري في هذه الحالة هو أنّ أياً من السلطتين لا تستطيع إبطال قدرة السلطة الأخرى على الاضطلاع بمسؤولياتها الدستورية الأساسية. مثلما لا يستطيع الرئيس جمع أموال بنفسه (عبر الحصول على قروض لم يوافق عليها الكونغرس مثلاً)، لا تستطيع السلطة الاشتراعية أن تفرض شروطاً على الإنفاق الفيديرالي من شأنها أن تقضي على سلطة الرئيس لإدارة العمليات العسكرية التكتيكية والاستراتيجية. هذا التوازن منطقي جداً؛ إذا استطاع الكونغرس أن يدير عن كثب إنفاق السلطة التنفيذية للأموال المخصَّصة، فمن شأنه أن يبطل مسؤوليات الرئيس الأساسية بصفته مسؤول السلطة التنفيذية والقائد الأعلى للقوات المسلّحة، فيتحوّل مجرّد شخص لا شأن له. ومن شأن هذه النتيجة أن تُفسِد النسيج الدستوري الكامل الذي أرساه واضعو الدستور.

حفاظاً على سلامة هذا النسيج، حكمت المحكمة العليا منذ القدم، في قضايا مثل الولايات المتّحدة ضدّ كلين (1872) والولايات المتّحدة ضدّ لوفيت (1946)، بأنّ الكونغرس لا يستطيع ربط شروط غير دستورية بتشريع صحيح بما في ذلك قوانين الإنفاق. فكما شرح البروفسور والتر دلينغر – كبير المحامين الدستوريين في وزارة العدل في إدارة الرئيس كلينتون – "على الرغم من أنّ سلطة الكونغرس في مجال الإنفاق هي بلا شكّ واسعة جداً، من الواضح أنّه لا يستطيع استعمالها لتحقيق غايات غير دستورية". ويعني هذا عدم القدرة على الحدّ من السلطة التي تخوّل الرئيس بصفته قائداً أعلى للقوّات المسلّحة، إدارة حركة القوّات المسلّحة الأميركية. في هذا السياق، استعان دلينغر بكلام للقاضي روبرت جاكسون الذي قال عندما كان مدّعياً عاماً في إدارة الرئيس فرانكلين روزفلت "تشمل مسؤولية الرئيس بصفته قائداً أعلى للقوّات المسلّحة سلطة قيادة القوّات المسلّحة وإدارتها في تحرّكاتها وعمليّاتها الفورية الهادفة إلى حماية أمن الولايات المتّحدة والدفاع عنها".

على الرغم من أنّ هذا النظام قد يبدو غير مرضٍ لمن يعارضون سياسة الرئيس بوش في العراق، لديه إيجابيتان كبيرتان. أولاً، ينسجم مع الهدف الأساسي للدستور – فصل السلطات بين فروع الحكومة المتساوية. أناط واضعو الدستور السلطة التنفيذية بالرئيس لسبب. فكما شرح ألكسندر هاميلتون في "الأوراق الفيديرالية": "الطاقة في السلطة التنفيذية سمة أساسية في تعريف الحكومة الجيّدة. إنّها أساسية لحماية المجتمع من الهجمات الخارجية". ثانياً، يضمن مطلب ممارسة الكونغرس لسلطته بطرق دراماتيكية، المساءلة السياسية. إذا كان الكونغرس يعتبر أنّ الولايات المتّحدة خسرت الحرب أو أنّ الحرب لا تستحقّ عناء الفوز فيها، ينبغي عليه تحمّل المسؤولية عن النتائج التي يمكن أن تترتّب عن فرض انسحاب أميركي. وإلاّ يجدر به أن يترك الرئيس يدير الحرب ويتحمّل مسؤولية القرارات التي اتّخذها وسوف يتّخذها.