الاتحاد

أسباب للتصعيد مع إيران... و"النموذج الكولومبي" لا يصلح لأفغانستان

لماذا يُصعِّد بوش مع إيران الآن؟ وكيف تقنع أميركا حلفاءها بالتعاون معها في مكافحة الإرهاب؟ وهل يمكن مكافحة تهريب المخدرات في أفغانستان؟ وماذا عن مصير كوسوفو؟ تساؤلات نجيب عليها ضمن إطلالة سريعة على الصحافة الأميركية.

تفادي حرب جديدة في الشرق الأوسط

حول هذا الموضوع، خصصت "كريستيان ساينس مونيتور" افتتاحيتها يوم الأربعاء الماضي، لتلفت الانتباه إلى أن "المواجهة الزاحفة" بين الولايات المتحدة وإيران، والتي ربما تكون مرتبطة بزيادة عدد القوات الأميركية في العراق قد تكون ببساطة، خدعة من البيت الأبيض لأسباب أولها أن إيران تواجه في نهاية الشهر الجاري موعداً نهائياً لتعليق أنشطتها النووية، ومن ثم تكون الخطوات الأميركية الخاصة بزيادة القوات في العراق ونشر حاملة طائرة ثانية في الخليج العربي أداة لإجبار طهران على الالتزام بالموعد. ثانياً: مع تصاعد ضغوط الكونجرس الرامية لسحب القوات الأميركية من العراق، ربما يسعى بوش لرفع مستوى التوتر مع إيران تمهيداً لمحادثات مفتوحة معها حول استقرار العراق، ومن ثم سحب القوات الأميركية. ثالثاً: مع بوادر صراع إيراني داخلي على السلطة، قد تدفع الضغوط الأميركية بعض التيارات داخل النظام الإيراني نحو تعليق تخصيب اليورانيوم. لكن سياسات بوش تجاه إيران لابد من مراجعتها في الكونجرس وفي الصحافة الأميركية، لأن الولايات المتحدة لا تتحمل "عراقاً آخر".

"كفى تصديراً للتعذيب":

تحت هذا العنوان، نشرت "لوس أنجلوس تايمز" يوم الجمعة الماضي افتتاحية توصلت خلالها إلى استنتاج مفاده أن ثمة الكثير من الأسباب القانونية والأخلاقية الداعية لمنع وكالة الاستخبارات المركزية من القبض على المشتبه فيهم من شوارع أوروبا ونقلهم إلى بلدان يتعرضون فيها للتعذيب. وحسب الصحيفة على الولايات المتحدة الإقلاع عن سياسة "تصدير التعذيب"، فواشنطن لن يكون بمقدورها منع وقوع هجمات إرهابية ضدها من دون التعاون مع حلفائها الأوروبيين، وهؤلاء الحلفاء سيصبحون أقل تعاوناً مع الولايات المتحدة عندما يجدون أن واشنطن تتعامل بسياسة لا تروق لهم. فبعد الخزي الفاضح في سجن "أبوغريب"، وبعد الغضب الدولي جراء عمليات الاعتقال غير محددة المدة لسجناء "جوانتانامو"، لم تعد إدارة بوش قادرة على تحمل الخسارة التي طالت مكانتها. خلال الأسبوع الماضي طفت مسألة "تصدير التعذيب" على السطح، عندما أصدرت إحدى المحاكم الألمانية أوامر بالقبض على 13 أميركياً وُجهت لهم تهمة اختطاف مواطن ألماني، علماً بأن خالد المصري (ألماني الجنسية من أصول لبنانية)، ألقي القبض عليه، وأودع في سجن أفغاني مدة خمسة شهور دون تهمة محددة. وفي إيطاليا يبحث القضاة عن طريقة لإدانة 25 عنصراً من وكالة الاستخبارات المركزية "سي.آي. إيه"، في تهمة اختطاف رجل دين مصري في مدينة ميلانو وإرساله إلى مصر كي يتم استجوابه هناك. والسويد أيضاً اكتوت بنار سياسة أميركا الخاصة بتصدير التعذيب، فالسلطات السويدية، سلمت الاستخبارات الأميركية في ديسمبر 2001 اثنين من طالبي اللجوء، بتهمة الإرهاب، وتم ترحيلهما إلى مصر. وحسب الصحيفة، فإن إدارة بوش في حاجة إلى التعاون مع السلطات الأوروبية قبل القيام بإلقاء القبض على المشتبه فيهم، ومن ثم على هذه الإدارة حظر "تصدير التعذيب"، والوفاء بوعودها للدول الأوروبية، خاصة ما يتعلق بحسن معاملة المعتقلين، فلاشك أن حرب الولايات المتحدة على الإرهاب ستتضرر عندما لا تحترم واشنطن القوانين الأوروبية، وعليه كفى تورطاً في عمليات الاختفاء القسري وتصدير التعذيب وكفى من التورط في قضايا مشابهة لقضية خالد المصري.

"حل لكوسوفو":

اختارت "واشنطن بوست" هذه العبارة عنواناً لافتتاحيتها يوم الجمعة الماضي، قائلة: إن ثمة حلاً دائماً للإقليم طال انتظاره وهو الاعتراف بكوسوفو أمة مستقلة مع ضمان حقوق الأقلية الصربية داخل الإقليم. التساؤل المهم الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن تنفيذ هذا الحل دون توتر دبلوماسي أو عسكري بين صربيا وكوسوفو، أو بين الغرب وروسيا الحليف التقليدي للصرب. وحسب الصحيفة، لدى إدارة بوش تفاؤل حذِر من أن تشهد الشهور المقبلة استقلال كوسوفو، لكن هذا الأمر يتطلب دبلوماسية غربية رشيقة وربما بعض الحدة الأميركية. الجانب الرشيق من الدبلوماسية المطلوبة في مسألة كوسوفو عبر عنه الرئيس الفنلندي الأسبق، فباعترافه بأن صربيا وحليفتها روسيا تعارضان بقوة قراراً أممياً يعترف باستقلال تام للإقليم، اقترح على مجلس الأمن الدولي إصدار قرار يُنهي الوصاية الأممية على الإقليم، وفي الوقت ذاته لا يذكر شيئاً عن الاستقلال. المقترح سيخضع الإقليم لإشراف دولي، يلعب فيه الاتحاد الأوروبي دوراً رئيساً، لكن سيكون بمقدور الإقليم الانضمام إلى الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية. وإذا أقر مجلس الأمن هذا الاقتراح ستعلن حكومة كوسوفو التي يسيطر عليها الألبان الاستقلال، وفي هذه الحالة ستحظى باعتراف سريع من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. الخوف من الموقف الروسي الذي سيعرقل استقلال الإقليم، ومن ثم على واشنطن تحديد موقفها في هذا الموضوع، فإما أن تتراجع أميركا عن دعم من أنقذتهم من عدوان سابق أو تمضي قدماً في مد يد العون لهم.

"نموذج خاطئ لأفغانستان":

بهذه العبارة عنونت "نيويورك تايمز" يوم أمس الأحد افتتاحيتها مشيرة إلى حاجة أفغانستان لحرب أكثر ضراوة على تهريب الأفيون لأنها شرط ضروري لا جدال فيه لتحقيق السلام والاستقرار في هذا البلد. لكن كولومبيا، البلد الحليف للولايات المتحدة، والذي يعاني من معضلة تهريب المخدرات وما يترتب عليه من تدفقات نقدية تصب في مصلحة عناصر متمردة خطيرة، لا تصلح كنموذج يمكن الاقتداء به عند التعامل مع أفغانستان. وللأسف الشديد يدعو أحد كبار الضباط الأميركيين إلى اعتبار كولومبيا نموذجاً لأفغانستان، وهذا الموقف طفا على السطح عقب ترشيح الإدارة الأميركية لـ"ويليام وود" سفير واشنطن الحالي في العاصمة الكولومبية "بوجوتا"، لمنصب سفير أميركا في أفغانستان. الصحيفة ترى أن المكاسب المحدودة التي تحققت في كولومبيا خلال السنوات القليلة الماضية، تعود إلى برنامج عفو عن قادة الميليشيات اليمينية وتجار المخدرات، وهو برنامج اتسم بدرجة عالية من السخاء، وتم خلاله التوصل إلى حلول توفيقية تمس سيادة القانون. كما أن المساعدات الأميركية لكولومبيا تم توجيهها إلى الشرطة والجيش، في حين لم تكن أمام فلاحي كولومبيا خيارات جديدة لكسب الرزق، ومن ثم فلا يمكن حل مشكلات أفغانستان بالطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع كولومبيا. أفغانستان أنتجت العام الماضي 90% من إجمالي ما ينتج من أفيون في العالم، بزيادة قدرها 50% عما أنتجته في 2005، كما أن أموال الأفيون التي تشكل ما نسبته 35% من الناتج المحلي الإجمالي في أفغانستان تؤجج الفساد الحكومي وتعد مصدراً لتمويل أمراء الحرب، سواء من يؤيدون الحكومة الأفغانية أو من يدعمون "طالبان". وحسب الصحيفة، فإن معظم المساعدات الأميركية التي تم تقديمها إلى أفغانستان منذ عام 2001 تم توجيهها لبرامج قصيرة الأجل في مجالي الأمن وإعادة الإعمار، لا لبرامج طويلة الأجل تضمن أمناً مستديماً في ربوع البلاد، وكانت النتيجة أن المزارعين الأفغان أصبحوا فريسة لمهربي المخدرات، لأن هؤلاء المزارعين لا يجدون في الغالب مصدر تمويل آخر. ومن دون حصولهم على عون من كابول أو واشنطن، لانتشالهم من الفقر المدقع، سيبدأ سكان الجنوب الأفغاني في تحويل أنظارهم إلى فلول "طالبان"، ومن ثم يجب تكثيف الاهتمام بالتنمية في أفغانستان من خلال تخصيص مزيد من الأموال الأميركية لتحفيزها، لذا يجب على "وود" أن يحمل معه إلى أفغانستان مجموعة أولويات تضمن أميركا من خلالها عدم تكرار أخطائها في كولومبيا.