أن كان هناك ثمة أحد يبحث عن دليل على الفزع الإسرائيلي من إمكانية نجاح لقاء " مكة " في وضع حد للإقتتال الفلسطيني الداخلي، فعليه أن يستمع للشخص الأكثر تأثيراً على دائرة صنع القرار السياسي والعسكري في الدولة العبرية وهو يوفال ديسكين، رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية الداخلية " الشاباك ".

ديسكين كان واضحاً تماماً عندما اعتبر أن نجاح الفلسطينيين في تشكيل حكومة وحدة وطنية يعني أنه يتوجب على إسرائيل أن تتحرك فوراً للعمل عسكرياً في القطاع ضد حركة حماس. وكما نقلت عنه النسخة العبرية لموقع صحيفة " هآرتس " صباح اليوم ، فأن ديسكين لا يرى مبرراً للتدخل حالياً عسكرياً في القطاع مادام الفلسطينيون يقتل بعضهم بعضاً. رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت والقائم بأعماله شمعون بيريس قاما أمس بتوبيخ ضباط والجيش والمخابرات الذين تحدثوا أمام جلسة الحكومة وتبين من كلامهم أن إسرائيل معنية بتواصل الإقتتال الداخلي وتحقيق حركة " فتح " والرئيس عباس انتصاراً فيه.

قنوات التلفزة والصحف والإذاعات والمواقع الأخبارية على الشبكة أبدت اهتماماً كبيراً بلقاء مكة، واستعانت بخبراء في الشؤون العربية ومستشرقين لمناقشة فرص نجاحه أو فشله والتداعيات المترتبة على كل سيناريو. كل المعلقين في إسرائيل اعتبروا أن قمة " مكة " شأن اسرائيلي " أيضاً لأن نتائجه تنعكس بشكل مباشر على إسرائيل، كما قال أحد المعلقين في الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية. صحيفة " هارتس " وصفت لقاء مكة بأنه " كامب ديفيد سعودي "، في إشارة الى منتجع كامب ديفيد الذي شهد المفاوضات التي قادت الى اتفاقيات كامب ديفيد بين اسرائيل ومصر ومؤتمر القمة التي جمعت الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس وزراء اسرائيل الأسبق ايهود براك. الصحافي الإسرائيلي آفي سيخاروف، المختص بتغطية الشأن الفلسطيني في العديد من وسائل الاعلام الإسرائيلية قال أن هناك أكثر من سبب يدفع كلاً من أبو مازن وخالد مشعل للعمل بكل قوة لإنجاح اللقاء. وحسب سيخاروف، فأن كلاً من مشعل وابو مازن يدركان أن هناك نيتجتين لفشل اللقاء تتمثلان في نشوب حرب أهلية من ناحية، وفي اغضاب المملكة العربية السعودية التي وصفها بالدولة المهمة. سيخاروف أشار الى أن المعضلة التي يواجهها ابو مازن أكبر من تلك التي يواجهها مشعل، منوهاً إلى أن أبو مازن يدرك أنه في حال وافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حماس، فأنه يخاطر بفتح مواجهة مع الإدارة الأمريكية التي تريد محاصرة حماس وحكومتها حتى اسقاطها. وحول فرص نجاح أو فشل اللقاء، تباينت تقييمات المسؤولين والمعلقين الإسرائيليين حيال ذلك. وهناك تباينات في تقييم فرص نجاح المؤتمر حتى داخل الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية نفسها. حيث أن بعض المستويات الاستخبارية الإسرائيلية ترى أن هناك امكانية لوضع حد للصراع الدائر حالياً، وأن هناك رغبة أكيدة لدى كل من حماس وفتح للتوصل لتسوية للمشكلة، في الوقت الذي ترى مستويات استخبارية أن هناك احتمال ان يحول الصراع الدائر حالياً الى حرب أهلية تتواصل لعدة سنوات.

" رايس تضلل أبو مازن "

التقارير التي تصل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي اولمرت من واشنطن تؤكد أن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس تضلل ابو مازن بشأن مستقبل وعدها له بإلتزام الإدارة الأمريكية بإقامة دولة فلسطينية. المعلق والصحافي ألوف بن كشف النقاب صباح اليوم الثلاثاء أنه حسب التقارير التي وصلت الى مكتب أولمرت من واشنطن، فأن يتضح بشكل واضح أن إدارة الرئيس بوش غير ملتزمة بوعود رايس لأبو مازن. واضاف بن أن عددا من كبار موظفي ادارة بوش أبلغوا تل ابيب أن بوش يعي أنه اذا قدر لدولة فلسطينية أن تقام في يام من الأيام، فأنها لن تقام في عهده. وأشار هؤلاء الموظفين الى أن كل ما يعني بوش حالياً هو العراق ومحاولة خروجه من المستنقع العراقي، في حين تحل إيران في المرتبة الثانية من حيث الاهتمام الأمريكي، مشددين على أن بوش غير مستعد لاستثمار ولو لحظة واحدة في الجهود من اجل دفع التسوية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. من ناحثة ثانية يشير بن الى أن كلاً من رايس ووزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني ورايس قد اتفقتا على أن الدولة المقترحة على أبو مازن يجب أن تكون في حدود مؤقتة، بمعنى أن الاعلان عن اقامة هذه الدولة لن يكون نتاج اتفاق على قضايا الحل الدائم. الى جانب ذلك، فأن ليفني قد كلفت طاقماً من وزارتها بأن يقوم برسم خارطة تضم المناطق التي يشكل الاحتفاظ بها مصلحة استراتيجية، وما تبقى من مناطق يعرض على ابو مازن ليتم اعلان الدولة الفلسطينية عليه. الى جانب ذلك نوهت الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية الى أن أولمرت يشدد على أن الدولة العبرية لن تتنازل عن تطبيق المرحلة الأولى من خطة " خارطة الطريق "، والتي تتضمن قيام السلطة بحل حركات المقاومة الفلسطينية وتفكيك بنيتها التنظيمية والعسكرية، ومصادر سلاحها، ووقف التحريض ضد دولة الاحتلال.

رفض الهدنة مع حماس

الى ذلك حذر ديسكين بشدة من خطورة الاستجابة لموقف حركة حماس الداعي للتوصل الى هدنة مع دولة الاحتلال. وقال ديسكين أن حركة حماس تعتبر أن فلسطين ارض وقف اسلامي لا يتوجب التنازل عنها، وبالتالي فأن التوصل لهدنة لن يضع حداً للمواجهة العسكرية مع حماس. وحذر ديسكين من أن حركة حماس ستسغل الهدنة من أجل مضاعفة القوى لديها. وادعى ديسكين أن حركة حماس قامت خلال العام الماضي بتهريب 30 طن من المتفجرات، في حين قامت خلال العام 2004 بتهريب 5 طن فقط. وزعم أن العشرات من عناصر حركة حماس يتلقون حالياً تدريبابت عسكرية في العديد من الدولة ومن بينها ايران. واعتبر ديسكين ان التدريبات التي يتلقها هؤلاء تمثل تهديداً أكبر من التهديد الذي تمثله المواد المتفجرة.