الاتحاد

وجهات نظر

استمرار مناورة شيراك بورقة "الترشح"... ومناورة "حماس" بمطلب "الاعتراف"!

مناورة الرئيس شيراك بعدم ترشحه للانتخابات الرئاسية حتى الآن، واستعادة فرنسا هذا الأسبوع لأجواء "معركة الرسوم المسيئة" بأثر رجعي، ودلالات اتفاق مكة المكرمة بين "فتح" و"حماس"، موضوعات ثلاثة نضعها تحت دائرة الضوء، في قراءة سريعة لافتتاحيات بعض الصحف الفرنسية.

شيراك... ينسحب أم يترشح؟ موضوع احتمال ترشح الرئيس جاك شيراك للرئاسيات شغل اهتمام كثير من كُتاب الافتتاحيات في الصحف الفرنسية هذا الأسبوع. "هرفيه فافر" كتب في "لا فوا دينور" افتتاحية تساءل فيها عما يمنع رئيس الجمهورية من الإفصاح علناً عن قراره النهائي بشأن الانسحاب من الحياة السياسية، كما هو متوقع، أو المغامرة بترشح لا أحد يريده سلفاً؟ وإن كان شيراك ما زال يناور، بهذه الطريقة، معطياً الانطباع "بأن وقت الإعلان رسمياً عن انسحابه لم يأزف بعد، فإن ثمة شيئاً مؤكداً هو أن تلك اللحظة تقترب الآن بخطوات واسعة". ويرجح الكاتب أن يكون يوم 19 فبراير الجاري، موعداً مناسباً، وربما أخيراً لإعلان انسحاب شيراك، وهو تاريخ انعقاد الجمعية الوطنية لتدارس طلب الرئيس تعديل الدستور لشطب حكم الإعدام منه. وإذا كان شيراك لمَّح مؤخراً إلى أن "الحياة تستمر حتى بعد السياسة"، فإن غموض موقفه الآن يقول إنه يريد إطالة الترابط بين الحياة والسياسة في مسيرته الشخصية، حتى الرمق الأخير. والعجيب في الأمر كله هو تردد شيراك من خلال هذه المناورات المكشوفة في إعلان تأييده للمرشح الذي اختارته بأغلبية ساحقة "أسرته" السياسية، نيكولا ساركوزي، فهل هذا هو سبب التمنع الحقيقي في إعلان الانسحاب؟ وفي "لو تليغرام" كتب "إيبير كودرييه" يقول إن سبب تمنع شيراك في إعلان انسحابه رسمياً لم يعد مفهوماً، خاصة أنه ليس وارداً من الناحية السياسية الداخلية، أما على المستوى السياسي الدولي فلم يعد منتظراً من شيراك التدخل بصفته الرئاسية كما نراه يصرُّ على الاستمرار في فعل ذلك بعناد. والحقيقة أنه لم يعد مطلوباً منه شيء، في أي ملف، كالقيام مثلاً بجولة في الشرق الأوسط، أو كالحديث عن ملف إيران النووي، الذي جرَّ عليه انتقادات حادة قبل أسبوع، أو مطالبته للرئيس بوش بالانسحاب من العراق، كما فعل في مقابلة قريبة مع "الفاينانشيال تايمز". ويرجح الكاتب أن سبب التمنع هو رغبة شيراك -نزولاً عند نصيحة بعض مستشاريه- في عدم إعلان تأييده لأي مرشح كان. وهو ما يتفق معه "جان فرانسوا مونتيمون" في "لوكورييه بيكار" الذي يتوقع للرئيس الفرنسي نشاطاً سياسياً مستقبلياً، ولكن ليس في قصر الأليزيه بأي شكل، بل في منظمة دولية، أو في "المجلس الدستوري" الذي سيصبح تلقائياً عضواً فيه، وللأسف سيجلس فيه إلى جانب رجل يكرهه من كل قلبه هو الرئيس الأسبق فاليري جيسكار ديستان.

محاكمة من زمن آخر: هكذا عنونت لوموند افتتاحية خصصتها للقضية التي بدأت مرافعاتها يوم الأربعاء الماضي والمرفوعة من طرف "مسجد باريس" و"اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، ضد صحيفة "شارلي أبدو" الساخرة، على خلفية نشرها العام الماضي لثلاثة من الرسوم الكاريكاتورية المُسيئة للرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، وقد قيل وقتها إنها فعلت ذلك لتخفيف الضغط على الصحيفة الدانمركية سيئة الصيت "يولاند بوستن". وبعد أن تخوض لوموند –كالعادة- فيما تسميه "مبادئ العلمانية" ومقتضيات حرية التعبير الكثيرة، تؤكد أن هذه القضية هي في الواقع "قضية من زمن آخر" غير زمننا، حين كان الاشتباك بين الدين والسياسة، وبين مختلف الأديان والأفكار والمذاهب هو سيد الموقف في فرنسا. "إن هذه القضية يجب أن تكون مناسبة للتذكير بأن حرية التعبير لا يمكن وضعها تحت رحمة شرطة أفكار. ومثل الإيديولوجيات، فإن الأديان عموماً من حقها أن تحترم، ولكن لا يمكن وضعها في موقع غير المسموح بتعريضه للتحليل، أو النقد". وفي موقف شبيه في صحيفة لوفيغارو كتب "إيفان ريوفول" عن الموضوع نفسه مبرزاً خطورة ربط الادعاء المرفوع بمسألة "العنصرية"، مؤكداً أن أية إدانة محتملة للصحيفة الساخرة ستكون تراجعاً كبيراً لحرية التعبير في فرنسا، منتقداً في الوقت نفسه بعض المنظمات المناهضة للعنصرية التي ألقت بكل ثقلها في قضية لا داعي لها، حسب زعمه، وليست ذات إسقاطات عنصرية واضحة. وأخطر من ذلك أن إطلاق كلمة "عنصرية" في فرنسا بات اليوم معتاداً، وعلى أي شيء، فرئيس صحيفة لوموند السابق "إيدوي بلينل" قال ذات مرة: "عندما أسمع كلمة فرنسي أصيل، أعرف أن الأمر يتعلق بعنصري أصيل"، ومفكر مثل "إيمانويل تود" لم يتعب أبداً من تكرار لازمته القائلة "إن كل دفاع عن الغرب عنصرية"، تماماً كما أن وزير الثقافة السابق جاك لانغ قال يوماً ما: "إن العنصري يرى حيثما التفت زنوجاً وعرباً"، وهكذا. ثم يستدرك "ريوفول" مؤكداً أن العنصرية لا يمكن طبعاً الدفاع عنها، ولكن إقحامها في كل شيء أيضاً يجعل أي حوار أو اختلاف ضرباً من المستحيل. ويصل الكاتب من كل تلك المماحكة إلى ما يريد حقاً قوله حين ينتقد بشدة دليل أبوبكر عميد مسجد باريس، وذلك لانسياقه في رفع الدعوى إلى جانب "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" الذي يعتبره الكاتب جهة إيديولوجية، وذات صلات خارجية غير مناسبة، حسب زعمه.

هدنة في مكة: بيير روسلين كتب افتتاحية في صحيفة لوفيغارو خصصها لما اعتبره بروزاً جديداً للدور الإقليمي السعودي في الاشتباك الدبلوماسي مع أزمات المنطقة. فالسعودية "تجد نفسها على خط الصراعات المحتدمة التي تجتاح المنطقة". ولئن كان أداؤها الدبلوماسي متسم عادة بالحذر والهدوء، فإن النشاط الذي عرفته في الفترة الأخيرة غيَّر هذه الصورة. وبعد جهودها في تطويق احتدام الأزمة اللبنانية، تمكنت الرياض أيضاً قبل أيام من جمع حركتيْ "فتح" و"حماس"، للتوقيع على اتفاق ينهي الأعمال العدائية في الأراضي الفلسطينية. وعن اتفاق مكة المكرمة بين "فتح" وحماس" جاءت أيضاً افتتاحية رئيسية في صحيفة لوموند تحت عنوان: "هدنة في مكة"، اعتبر كاتبها أن الرعب والخوف الناجم عن الحرب الأهلية كثيراً ما يكون عاملاً مساعداً في الضغط على الأطراف المتحاربة، وهذا ما يبدو أنه سهَّل إلى جانب الضغط السياسي من مهمة التوصل إلى اتفاق. ومع أن دواعي التفاؤل هي ما يشيع الآن في أجواء غزة فإن ضرورة ظهور مبادرات سياسية ومشروع رؤية سياسية فلسطينية متكاملة لا غنى عنها، وبدونها ستبقى أية تهدئة قابلة للخرق في أية لحظة. وتلاحظ لوموند فيما يتعلق بالمطالب الدولية من "حماس" بالاعتراف بإسرائيل، أن صيغة الاتفاق تحدثت عن "احترام" الاتفاقات السابقة، في إشارة إلى اتفاق "أوسلو"، ولكن ثمة فرقاً معنوياً وليس فقط لفظياً، بحاجة إلى توضيح. إنه الفرق بين "الاحترام" و"الالتزام". ومع أن "حماس" ما زالت تريد اللعب بورقة "الغموض البناء" في مسألة الاعتراف، فإن على الآخرين أن يتفهموا دواعي هذا الغموض، فهو يأتي لأسباب إيديولوجية ذات صلة بكون "حماس" حركة دينية سياسية أصلاً، ولأسباب تكتيكية كذلك، حيث إن قادة "حماس" يرون أن السلطة الفلسطينية قدمت الاعتراف لإسرائيل في "أوسلو" دون مقابل، ولذا فـ"حماس" تريد الآن مقابلاً لتنازل مؤلم بهذا الحجم.