النهار / رنده حيدر

المهمة الاساسية التي يعتبر رئيس الاركان الجديد التاسع عشر للجيش الاسرائيلي غابي أشكينازي أنه مكلف بها هي تطبيق الدروس القاسية للحرب الاسرائيلية في تموز الماضي على لبنان. وهي دروس كثيرة ومتشعبة وفقاً لما تكشفت عنه احداث هذه الحرب على صعيد الجيش الاسرائيلي نفسه والطاقم السياسي الحاكم.
لقد كان الدرس الاسرائيلي الاول للحرب الاسرائيلية الثانية على لبنان هو تقويض منطق سياسة ضبط النفس التي مارستها اسرائيل على حدودها الشمالية مع لبنان منذ تنفيذها لانسحابها الاحادي الطرف من الجنوب في ايار عام 2000. فنتائج عدم الرد الاسرائيلي على عملية خطف الجنود الاسرائيليين الثلاثة التي قام بها "حزب الله" في العام عينه للإنسحاب، وغض الطرف على تدفق السلاح الى الحزب عبر سوريا من ايران، وتجاهل الانتشار الكثيف لمقاتلي الحزب على طول الشريط الحدودي المواجه لمستوطنات اسرائيل الشمالية، كل ذلك بحجة رغبة اسرائيل في التفرغ لمواجهة الانتفاضة الفلسطينية الثانية وتجنب فتح جبهة ثانية مع لبنان؛ كل ذلك أدى بحسب رأي الاسرائيليين الناقمين على نتائج الحرب الى نتائج كارثية بالنسبة لإسرائيل بكل معنى الكلمة لأن هذه السياسة هي التي سمحت للحزب ببناء قوة صاروخية ثبت خلال المواجهات أن الجيش الاسرائيلي لا يملك رداً فعالاً عليها، مما عرّض قدرته على الردع الى خضة قوية لا سيما انه خلال 33 يوماً وحتى الساعات الاخيرة التي سبقت وقف النار كان هذا الجيش عاجزاً عن وقف تعرض المدن والبلدات الاسرائيلية للقصف الصاروخي القصير والمتوسط المدى.
من هنا يطرح رئيس الاركان الجديد على جدول اعماله بلورة صيغة جديدة للتعامل مع خطر صواريخ "حزب الله" والرد على كل تحرك او تصرف من جانب الحزب يمكن ان يدخل في خانة العمليات "استفزاز" الجيش الاسرائيلي، هذا عدا رفع القدرة القتالية للجنود الاسرائيليين واعدادهم بصورة أفضل لخوض حرب العصابات التي تفوق فيها رجال الحزب عليهم بأشواط. هذا كله الى جانب أمر اساس ومحوري هو ايجاد الرد الفعال على صواريخ الحزب عبر العمل على وضع شبكة ناجعة لإعتراضها ومنعها من الوصول الى أهدافها.
ما شهدناه في الايام الماضية من احتكاكات على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية قد يكون الارهاصات الأولى لهذه التبدلات في العقيدة القتالية الاسرائيلية على الحدود مع لبنان. لا سيما ان كل المسؤولين الاسرائيليين والخبراء الأمنيين والاستراتيجيين شددوا على ان المواجهة الاسرائيلية في الصيف الماضي مع "حزب الله" كانت مواجهة بالواسطة مع النظام الايراني وحلفائه في المنطقة، وربطوا ما يجري هنا بالمواجهة الأوسع التي يخوضها المجتمع الدولي وبصورة خاصة الولايات المتحدة واوروبا وما يسمى "الدول العربية المعتدلة" ضد حصول ايران على السلاح النووي.
في المنظار الاسرائيلي لم يعد ما يحدث في لبنان محصوراً بمطالب حركة تحرير هي "حزب الله" بتحرير ما تبقى من اراض تحتلها اسرائيل، ولا باطلاق سراح ما تبقى من أسرى لبنانيين في سجونها، وانما بات مربوطاً بصورة وثيقة بالصراع الدائر على المستوى الإقليمي والدولي، من هنا حاجة الجيش الاسرائيلي الى ايجاد الاسلوب الناجع للرد على الاخطار الجديدة التي تهدد هذه المرة جوهر وجود اسرائيل في المنطقة.
والمتغير الملموس في التعاطي الاسرائيلي مع ما يجري على حدودها الشمالية الانتقال من سياسة "ضبط النفس" الى سياسة التضخيم والتهويل والرد المبالغ فيه على كل ما تعتبره استفزازاً لها. وما الموقف الاسرائيلي من العبوات الناسفة التي وجدها الجيش بالقرب من السياج الحدودي وما أعقب ذلك من خرق بالجرافات الاسرائيلية للسياج ودخولها الى الجانب اللبناني المتاخم له، والذي تدّعي اسرائيل انها تملك السيادة عليه وانها تريد تسوية المنطقة من العوائق بحيث تصبح مكشوفة وتحول بذلك دون تسلل مقاتلي الحزب اليها، واحتكاكها بالجيش اللبناني، كل ذلك يدل دلالة واضحة على ملامح المرحلة المقبلة للمواجهة المحتملة بين الاسرائيليين و"حزب الله".