النهار / سركيس نعوم

بين 14 شباط 2005 تاريخ استشهاد الرئيس رفيق الحريري واواخر ربيع العام نفسه هجم الفريق السيادي والاستقلالي اللبناني الذي اطلق على نفسه اسم "فريق 14 آذار" بشعبه الاعزل من السلاح او بالاحرى بشعوبه على النظام الامني اللبناني – السوري المشترك وعلى ادواته السياسية الرسمية وغير الرسمية وعلى استمرار الوجود العسكري السوري على ارض لبنان بل على الوصاية التي مكّن هذا الوجود النظام السوري من ممارستها على لبنان سنوات طويلة ونجح في تحقيق انجازات كثيرة. منها استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي التي اعتبرتها غالبية اللبنانيين في حينه رمز الوصاية المشار اليها والمعبّر الفعلي عنها. ومنها انسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان. وحصول "14 آذار" على غالبية نيابية متماسكة رغم تنوع اطرافها في انتخابات نيابية اعتبرت أكثر نزاهة من كل الانتخابات التي اجريت زمن الوصاية رغم عدم عدالة قانونها. ومنها قيام حكومة تمثل فعلاً الشعوب اللبنانية. وحقق الفريق نفسه بعد ذلك انجازات اخرى مثل اقرار مجلس الامن اجراء تحقيق دولي في جريمة اغتيال الشهيد الحريري ولاحقا اقرار انشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة المتهمين في هذا الاغتيال وكل الاغتيالات او محاولات الاغتيال التي سبقته او تلته. وفي تلك الفترة بدا في وضوح ان "14 آذار" حقق الكثير في هجومه. لكن بدا في الوقت نفسه انه غير قادر على استكمال التغيير وبدء بناء دولة المؤسسات وخصوصا عندما امتنع عن فرض الاستقالة على رئيس الجمهورية وكان ذلك ممكنا في المراحل الاولى للهجوم.
بعد المرحلة المذكورة اعلاه استوعبت سوريا صدمة اخراجها من لبنان على النحو المعروف وخسارة حلفائها المباشرين فيه. واستوعب هؤلاء الحلفاء وخصوصا اصحاب الاحجام الكبيرة منهم صدمة خسارة راعيهم الاول بل الوحيد في لبنان. وقرروا بعد مشاورات معمقة مواجهة فريق 14 آذار بوسائل متنوعة. كان منها تسهيل انفصال "التيار الوطني الحر" عن المعسكر السيادي ولاحقاً انضمامه الى معسكر حلفاء زمن الوصاية. وكان منها ايضا تعقيد اعمال الحكومة المستندة الى غالبية نيابية تمهيدا لفض التحالف الرباعي الذي كان قائما بين ابرز هؤلاء الحلفاء وبدء هجوم مضاد يقلص او ينهي الزخم الذي تمتع به فريق 14 آذار مدة طويلة ورفض اي مس برئاسة الجمهورية وتعبئة الناس انطلاقا من مواقف هي مزيج من الوطنية والاسلامية والقومية ومن التخوين للاخرين. وكان من نتائج ذلك تعادل 14 آذار و8 آذار او بالاحرى قيام نوع من توازن قوى بينهما عطل الكثير من اعمال الدولة.
استمرت هذه المرحلة معظم العام الماضي لكنها انتهت في شهر تشرين الثاني عندما انتقل فريق 8 آذار الى الهجوم. فسحب وزراءه من الحكومة. ثم قرر اسقاطها او تعطيلها بفرض ما يسميه الثلث الضامن عليها. كما طالب بانتخابات نيابية مبكرة. والوسيلة التي اعتمد لتحقيق ذلك كانت استعمال الشارع وقد بدأ ذلك في اول كانون الاول الماضي وبلغ ذروته في 23 ثم 25 من الشهر الذي تلاه. لكن هذا الهجوم اخفق على كل الصعد الامر الذي اتاح لفريق 14 آذار ولاسيما في ظل احتدام الصراع على المحكمة ذات الطابع الدولي العودة مجددا الى الهجوم بعد اشهر من اعتراف بالتوازن القائم مع الفريق الآخر وخصوصاً بعدما اكد قادة هذا الفريق الآخر انهم سيستمرون في تحركاتهم الشارعية رغم فشلهم مع ما يرتبه ذلك من انعكاسات سلبية على البلاد والعيش المشترك فيها، فكانت ذكرى استشهاد الحريري امس موعداً لهذه العودة الناجحة التي وجهت رسالة الى 8 آذار والى حلفائه في المنطقة كما الى المجتمع الدولي فضلا عن سائر اللبنانيين مفادها ان "الحسم" الذي وعد به حلفاء سوريا مستحيل رغم وفرة السلاح بين ايديهم وضعف الدولة ومؤسساتها واستمرار التدخلات السورية المتنوعة والكثيفة في لبنان، ومفادها ايضا ان الغالبية النيابية ليست ذات شعبية وهمية وانها كانت قادرة ولا تزال على تحريك الاعداد نفسها من المواطنين الذين يحركهم 8 آذار رغم عدم اعتمادها على السلاح والدعم المستمر من الخارج القريب والابعد منه قليلاً.
ما هي المحصلة الآن؟
المحصلة هي ان التوازن عاد من جديد بين فريق 8 آذار و14 آذار. والاهم من ذلك هو ان هذا التوازن سيدفع حتما الفريق الاول الى التخلي عن فكرة الحسم بالقوة او بالانقلاب لانه سيتسبب بحرب اهلية بل بحرب مذهبية يخسر فيها الجميع وفي مقدمهم لبنان. لكن الاهم والاكثر اثارة للقلق في حال كهذه هو ان التوازن في ظل استمرار التصلب الداخلي والخارجي بل استمرار الراغبين في ضرب التغيير وان غير المكتمل الذي حصل في لبنان منذ 2005 في العمل لتحقيق هدفهم هذا قد يعيد الى البلاد اعمال التفجير والاغتيالات لمنع الاستقرار والتفاهم ولابقاء الصدام قائماً. وهذه العودة بدأت قبل يومين في المتن الشمالي. وطبيعي في حال كهذه ان تبقي هذه العودة البلاد مهيأة لدخول معمعة حرب اهلية لا تبقي ولا تذر. والمخرج من ذلك لا يمكن ان يكون لبنانيا بحتاً ولا خارجياً بحتا، علما ان تفاهم الخارج على حل ما او ربما على حسم ما قد يسهل اقناع اللبنانيين حتى اصحاب الرؤوس الحامية ان حوارهم وتفاهمهم افضل لهم وللبنان.