بعد الهزيمة التي لحقت بجيش الدفاع الصهيوني يوليو/تموز وأغسطس/آب 2006 على أيدي مقاتلي حزب الله، وجعلته يبدو جيشا مضطربا مرتبكا، يفتقر إلى التنظيم والتماسك، رغم استخدامه لقوته الجوية وأسلحته الفتاكة، صار لزاما على قيادة هذا الجيش، الذي لم يخض حربا حقيقية منذ العام ،1973 أن يستعد لخوض معركة أو معارك أخرى، تعيد له هيبته في المنطقة العربية، خاصة أن القصص التي نقلتها التقارير عن الفوضى التي اعترت العمليات العسكرية، وعن الذعر الذي أصيب به الجنود، وعدم قدرة الفرق، المدربة تدريبا عاليا، على اختراق تحصينات مقاتلي حزب الله، إلى درجة أن جنودا كثيرين صرحوا أنهم شعروا في وقت من الأوقات أنهم كانوا يحاربون أشباحا. كل تلك القصص أضعفت معنويات وصورة الجندي الصهيوني، ولا بد من قصص جديدة (لإحياء) تلك الرهبة من جديد، إضافة إلى إعادة خلط الأوراق لإبقاء المنطقة ساخنة مضطربة، الأمر الذي ينسجم مع السياسة الصهيونية في المنطقة، لتحول دون تحقيق أي تقدم في التنمية أو السلام، انطلاقا من حقيقة أن الدولة الصهيونية لا تستطيع العيش في بيئة سلام.

يأتي كلامنا عن احتمال تعرض سوريا لهجوم من قبل الجيش الصهيوني في الوقت الذي تنصب كل الأضواء على إيران، واحتمال تعرضها لضربة من قبل الولايات المتحدة، أو حتى من جانب جيش الكيان الصهيوني نفسه. وقد يندهش البعض من وضعنا لهذا الاحتمال، إذ كيف ستشن الحرب ضد سوريا بينما كل الأضواء مسلطة على الأزمة النووية الإيرانية؟ نقول هذا الكلام لأن ملف تخصيب اليورانيوم الإيراني يأخذ في التصعيد مرة وفي الخفوت مرة أخرى، طبقا للظروف المحيطة بإيران، ومدى تقدم تحقيق الأمن في العراق. ومن جانب آخر، فإن سيناريو الحرب على إيران سيناريو معقد ولا يمكن التنبؤ بنتائجه مطلقا، والتجربة العراقية خير دليل على ذلك، فالجيش الأمريكي وحلفاؤه لم يتمكنوا من إحكام السيطرة على العراق (ويوجهون التهمة إلى إيران وسوريا)، والجيش البريطاني سينسحب من البصرة والعراق، ليس كرم أخلاق منه، ولكن ليترك البصرة نهبا لصراعات قادمة، أو هكذا يتوقع. فإذا كانت تلك الحال في العراق الذي لا ترتقي قوته إلى القوة الإيرانية، والذي يعاني من تفتت طائفي خطير، فكيف ستكون الحال مع بلد متماسك طائفيا، معبأ مذهبيا، ومستعد عسكريا. وقد تكون درجة الاستعداد ضعيفة مقابل القوة الأمريكية الهائلة، إلا أن الحرب، إن نشبت، فإنها ستلقي فوق منطقة الخليج العربي غمامة سوداء، وستخلق فوضى غير متوقعة مطلقا، وستضع النفط في مهب الرياح، التي ستقضي على الأخضر واليابس. وإذا كانت أمريكا تعتقد أن الضربات الجوية المباغتة وعلى معظم الأهداف الاستراتيجية، ستكون كافية لكسر القوة الإيرانية، فإنها ستكون قد ارتكبت خطأ استراتيجيا شنيعا، لأن تداعيات الضربة ستوقظ كل المتطرفين والناقمين في كل المنطقة، وستتوقف إمدادات النفط إلى العالم من المنطقة، وستتوقف صادرات العالم إلى الخليج. إن هذا الوضع لا تريده أمريكا، ولا أعتقد أن الكيان الصهيوني يريده، ولهذا، ومن أجل تحويل الاهتمام عن العجز الأمريكي والصهيوني في إيران ولبنان وفلسطين، لا بد من معركة جديدة لا تتسبب في إيقاف إمدادات النفط، وفي نفس الوقت، ستختبر الأسلحة الإيرانية التي تزعم الحكومة الصهيونية أنها بحوزة سوريا، وستعاقب سوريا على تدخلها في لبنان، وعلى عدم تعاونها في التحقيق في اغتيال رفيق الحريري، وعلى تدخلها في العراق عن طريق تسهيل عبور المقاتلين والسلاح.

باختصار، هنالك أكثر من تهمة جاهزة لسوريا كي تتلقى ضربة أو كي يتم افتعال حرب معها، ولا شك أنها ستكون حربا عن بعد، تعمل على تقويض القوة السورية وتهدف إلى جر الحكومة السورية إلى طاولة المفاوضات مع حكومة الكيان، وإلى إضعاف حزب الله، لأن سوريا هي الممر الآمن لأسلحته القادمة من إيران، كما يقال، وبالتالي، سيتم الترويج لهذه الحرب على أنها حرب ضد الإرهاب، وستكون نتيجتها نشر عشرات الآلاف من قوات حفظ السلام بين سوريا والكيان مع تحويل مرتفعات الجولان إلى منطقة منزوعة السلاح، وبذلك، تكون الجبهة السورية (الإسرائيلية) قد تمت تسويتها، عندها سيتم التفرغ لإيران، التي أشك أنها ستتعرض لأي عمل عسكري من العيار الثقيل، لأسباب كثيرة، أهمها أنها (أي إيران) هي السبب الرئيس وراء توجه دول الخليج لامتلاك أسلحة وشراء معدات متطورة بمليارات الدولارات، التي تعود بفائدة عظمى على الخزانة الأمريكية.

التحضير لحرب ضد سوريا جار منذ زمن، فبين فترة وأخرى، تسرب قيادة الجيش الصهيوني تقارير عن تطور التسلح السوري، وآخرها تقرير نشرته صحيفة “هآرتس” يوم الخميس الماضي، وجاء فيه أن سوريا غيرت سياسة انتشار قواتها على خطوط الجبهة، وحركت هذه القوات بمحاذاة هضبة الجولان المحتلة، وسط خطوات تحريضية واضحة تتحدث عن تعاظم قوة الجيش السوري في الفترة الأخيرة بصورة غير مسبوقة وبدعم إيراني، وخاصة في مجال الصواريخ والقذائف الصاروخية بعيدة المدى. ويرى التقرير انه بدلاً من قصف “إسرائيل” من الجو يبني السوريون قوة قصف هائلة بواسطة الصواريخ والقذائف الصاروخية، وبذلك يستطيعون قصف المدن “الإسرائيلية” عن بعد، على نحو خطير. وتدعي “إسرائيل” ان الإيرانيين زودوا سوريا بصاروخ صيني من نوع سي 802 الذي نجح بواسطته حزب الله في قصف البارجة “الإسرائيلية” “حانيت” في العدوان الأخير على لبنان.

ويقول التقرير إن السوريين أجروا مؤخراً بنجاح تجربة إطلاق صاروخين من نوع “سكاد دي”، وهو صاروخ يصل مداه حتى 400 كيلومتر، ويغطي معظم مساحة فلسطين المحتلة عام 1948 لكن ما هو غير معروف ل”إسرائيل” نوع الرأس الحربي للصاروخ.

إن تسريب هذه المعلومات يأتي في إطار التحضير وتهيئة الأجواء لافتعال حرب مع سوريا، لن تكون فيها سوريا قادرة على الرد بشكل فوري، ولكنها قد تلجأ إلى حرب استنزاف، وربما ستتبع أسلوب حزب الله باستخدام الصواريخ دقيقة التصويب، وربما تستخدم صواريخ متطورة مضادة للطائرات.

ومن جانب آخر، يروج القادة الصهاينة لحرب في صيف 2007 في لبنان، ثأرا من حزب الله ومقاتليه، وقد تكون هذه الحرب لجر سوريا إليها، إلا أن ما ينطبق على إيران ينطبق على حزب الله، أما بالنسبة لسوريا، فالحرب تبدو أكثر (أمنا)، رغم احتمال تعرض سوريا لما يتعرض له العراق الآن، وقد تنفتح الحدود بين البلدين، وتضيع الدولتان في فلتان وفوضى كبيرة جدا، وهذا ما يصب في المصلحة الصهيونية.

الحرب ضد سوريا محتملة، لكن يجب أن يسبقها تهدئة في فلسطين المحتلة، تهدئة دون إنجاز كبير، ويجب أن تسبقها تهدئة ستكون مشبوهة مع إيران، وتهدئة في العراق، وهذه كلها ليست بمعجزة، فنحن نعلم أن الموساد يعمل بشكل قوي ولديه يد طولى في التفجيرات التي تلحق الأذى بالمدنيين في العراق، أما بالنسبة للفلسطينيين، فطموحهم الآن هو رفع الحصار.. وما أسهل تحقيق هكذا حلم.

إن المنطقة مقبلة على حرب لن تكون ضد إيران أو ضد حزب الله، والمرشح الأقوى هو سوريا.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)