لن نفاجأ بأي إجابات حول مجلس الشعب، سواء كانت في تعريف مهامه أو في تقييم أدائه، فالأسئلة التي حملناها إلى الشارع لم تكن بغاية إيجاد استبيان حقيقي، بل رسم تصور سريع للمشهد السياسي مع بدأ الترشيحات لمجلس الشعب. فالرواية الشهيرة عما قاله الرئيس شكري القوتلي عندما صافح الرئيس جمال عبد الناصر عام 58، و(سلّمه) الإقليم الشمالي (سوريا)، لم تعد تصلح لهذا الزمن. فالقوتلي نبه عبد الناصر من أنّ كل فرد في (هذا الإقليم) زعيم متوج، وكل ثلاثة أشخاص يصادف أنهم على رتل واحد، يظهر لديهم الطموح و الرغبة لتشكيل حزب سياسي مستقل.

غير أن المرء ينتابه الاحباط وربما القلق وهو يطوي هذه الحكاية، فإلى أي حد يصح كل ذلك الآن، بعد انتشار (الفقر) في قاموس هذا الشارع السياسي فيما يخص المصطلحات والأساسيات التعريفية الأولية.

في جولتنا الميدانية حاولنا تلمس ما افترضناه (استبيانياً استباقياً) لشهر الانتخابات السورية للدور التشريعي التاسع لمجلس الشعب، فحملنا بضعة أسئلة عن الموضوع الانتخابي. أما الإجابات فاختلط فيه الإنشائي بالتقريري، ناقلاً لغة تمحي كل الذكريات عن (الشارع المسيس).. بينما اعتذر الكثيرون ربما لآن الأسئلة أصبحت خارج مألوفهم..

الأسئلة التي حملناها لم تكن تحتاج اجتهاداً من قبل الناس، وفي نفس الوقت فإنها تنقل صورة أساسية لما سيقدم عليه المجتمع، فهل يمكن أن يقبل المواطن على الانتخاب دون أن يعرف مهام مجلس الشعب أو الأحزاب التي يضم، أو ما تعنيه عبارة مستقل!! فالأسئلة الست كانت:

1 - ما هي نوعية السلطة التي يملكها مجلس الشعب برأيك؟

2 - ماذا تعني لك عبارة (مرشح مستقل) ؟

3 - ما هي (على حد علمك) الأحزاب الموجودة في مجلس الشعب الحالي؟

4 - هل هناك برأيك شيء ما يستطيع مجلس الشعب عمله أو تقديمه؟

5 - ما رأيك بأداء مجلس الشعب خلال دورته الأخيرة؟

6 - هل تذكر أي تشريع قام مجلس الشعب بسنّه أو إصداره؟

المسألة عدم اطلاع:

إذا كان سائقو (الميكرويات) نموذجاً مستحدثاً داخل المجتمع بعد انتشار هذه المهنة، لكن يبدو أنها لم تخلق سماتها، فالمواطن إبراهيم أحمد خباز، وهو سائق سرفيس يبلغ 47 عاماً، فإنه أجاب عن الأسئلة السابقة بشكل لا يختلف كثيرا عن باقي الناس، موضحاً بشأن سلطة مجلس الشعب أنه: (لا يملك اطلاعاً على مثل هذه الأمور)، وعرف المرشح المستقل بأنه (شخص يتكلم عن أوضاع الناس بشكل عام)، بينما لم يكن لديه (أدنى فكرة عن الأحزاب الموجودة في المجلس)، بينما أبدى عدم تأكده من مهام المجلس لذلك فهو لا يستطيع الحديث عن أدائه، ولم يتذكر أي تشريع قام به المجلس.

وعندما انتقلنا إلى شخص آخر من المفترض أنه ينتمي إلى (الجيل القديم) الذي يرى البعض أنه كان يعيش بالسياسة فإن الإجابات كانت تحمل رؤية مسبقة رغم أنها لم تكن محددة واختلطت في التعريفات فمحمد خير السمان وهو متقاعد يبلغ 71 عاماً قال إن سلطة مجلس الشعب هي (من الدولة) معرفاً المرشح المستقل بأنه (شخص يهتم بمصلحته بالمقام الأول ولو تم انتخابه فهو لن يهتم سوى بشؤونه على حساب القانون). بينما اعتبر أن (حزب البعث فقط) هو الموجود في المجلس (وهو الذي يسيّر أمور الناس)، وأعرب في جوابه عن السؤال الرابع بأنه لا علم له على وجه الدقة بشيء يمكن أن يقوم به المجلس، لأنه (على العموم الدولة والحزب هما صاحبا الأمر والنهي طالما هما متفقان). كما اعتبر في الجواب على السؤال الخامس عن أداء مجلس الشعب الحالي أن المجلس (هو نفسه دائماً، سابقاً ولاحقاً، الذين يترشحون ويفوزون هم نفسهم دائماً ولن يتمكن شخص عادي "فقير" من الوصول إلى المجلس). بينما أعرب عن اعتقاده بعدم وجود أي شيء جديد على صعيد التشريعات، فـ(الحزب هو من يسيّر وينفذ).

وفي نموذج آخر لتاجر هو محمد فادي الإمام يبلغ من العمر 30 عام، فإنه رأى أن سلطة المجلس (سلطة شكلية) وعرف المرشح المستقل بأن (شخص يقوم بحملة إعلانية ضخمة وحده و يعمل على الإنفاق عليها لشد الناخبين لا أكثر)، وبيّن عدم امتلاك معلومات حول الأحزاب الموجودة، وأعرب عن أسفة بشان السؤال الرابع لأن المجلس ليس بإمكانه عمل شيء، واعتبر أن المجلس السابق (ذو أداء أسوأ من الذي سبقه) بينما لم يتذكر أي تشريع أقره مجلس الشعب.

أما الاختلاط الحقيقي فظهر في إجابة السيد وسيم الحمصي (51 عاماً) ويعمل تاجر قرطاسية فاعتبر أن سلطة مجلس الشعب تنفيذية!! ورأى أن المرشح المستقل شخص يعمل بشكل منفرد وخارج أي جماعة. لكنه من جانب آخر اعتبر أن المجلس قادر على العمل ولم يستطع أن يحدد الأحزاب الموجودة فيه. وحول أداء المجلس السابق رأى أن (لا كلام عليه، ممتاز..) ورغم ذلك لم يتذكر أي تشريع أصدره المجلس.

أجوبة أكثر دقة:

عند سؤال محمد قباني (32 عاماً) وهو بائع ورد، جاء أول جواب صحيح عن مجلس الشعب بأنه (سلطة تشريعية تمثل الشعب)، وعرف المرشح المستقل بأنه (لا ينتمي لحزب ويمثل فئة من الشعب). ورأى أن الأحزاب الموجودة داخله هي خمسة معتبراً في الإجابة عن السؤال الرابع أنه من المفترض بمجلس الشعب أن يعبر عن آراء الشعب ومتطلباته، واعتبر أداءه السابق عادياً، لكنه لم يتذكر أي تشريع قدمه.

أما أحمد بصيري (32 عاماً) يعمل منسق أزهار فعرف سلطة مجلس الشعب بالتشريعية، والمرشح المستقل (غير مرشح من قبل الدولة)!! أما عن الأحزاب داخله فهي حسب رأيه متنوعة، معتبراً أن كل ما في البلد من (صنع المجلس وصلاحياته) وفي المقابل لم يتذكر أي تشريع صدر عنه.

الجيل الجديد ومجلس الشعب:

مهند صباغ (19 عاماً) وهو طالب حقوق في السنة الأولى رأى أن سلطة المجلس (هي سلطة الشعب نفسها)، و(بما أن المجلس اسمه مجلس الشعب فإن أي مرشح سيصل باسم الشعب وبما أنّه مستقل فهو سيعبر عن مجموعة من الناس حيث للأغنياء ممثلوهم كما للفقراء والطبقة المتوسطة، والمطلوب من المرشح المستقل أن يعبر عن سلطة يمتلكها الشعب في الدولة). ولم يتذكر من الأحزاب الموجودة في المجلس سوى حزب البعث والوحدويين الاشتراكيين.
وجاءت إجابته مطولة حول ما يمكن أن يقوم به المجلس أو أدائه السابق فرأى إن ما يمكن أن يقوم به لا يمكن أن يبدأ في السنة الأخيرة من الدور التشريعي (فلو أنه يبدأ العمل لصالح الناس منذ بداية تشكيله فإنّ الناس بالتأكيد لن يرفضوه و لن يتخلوا عنه, لا أن يتذكر ذلك و يرغب في إسماع صوته في آخر شهرين و قبل الانتخابات مباشرة).. كما اعتبر أن سوريا (بلد نتطور بشكل تدريجي ولا نستطيع القضاء على الفساد دفعة واحدة) مقيماً أداء المجلس الحالي بأنه جيد على وجه العموم.. ولم يتذكر تشريعاً محدداً أصدره المجلس..

أما رانية مليحي (23 عاماً) وهي طالبة في المعهد العالي للفنون المسرحية فعرفت سلطة مجلس الشعب بـ(التشريعية) والمرشح المستقل بأنه (لا ينتمي لأي حزب من الأحزاب المعروفة)، وبما يخص الأحزاب الموجود في المجلس فذكرت فقط حزب البعث والحزب الشيوعي، ولم تقدم أي إجابة حول أداء مجلس الشعب السابق لأنها لم تتابعه، ولم تستطع تذكر أي تشريع أصدره.

في المقابل فإن محمد سراج (23 عاماً) وهو طالب طب فرأى أن السلطة تشريعية معرفاً المرشح المستقل بأنه (غير تابع للجبهة الوطنية التقدمية). وقال إن الأحزاب الموجودة داخله هي (أحزاب الجبهة نفسها). لكنه في المقابل اعتبر دوره في إقرار ما يصل إليه وأنه أدائه في الدورة السابقة (كأنه لم يكن).. ولم يستطع تذكر أي تشريع أصدره.

هذه هي الصورة قبل شهر من الانتخابات، وهي في أحسن حالتها ترسم دوائر مشوشة لقدرة الناخب على خلق خياراته، فإذا كانت (المعرفة) بهذا المجلس غائبة، فإنه من الصعب التعامل مع الانتخاب على أنه تفاعل حقيقي ينتج حركة سياسية واجتماعية جديدة. ورغم أن الاستبيان السابق لا يغطي كل المساحة الاجتماعية، لكنه على الأقل ينقل جانباً من المشهد الانتخابي المنتظر.