من المنتظر ان يواجه الحوار الثنائي بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري اختبارات صعبة في مراحله المقبلة، بالنظر الى حقول الالغام المحلية والخارجية التي سيكون عليه ان يعبرها في طريقه الشائكة نحو التسوية المفترضة.

ولعل التحدي الأبرز الذي سيواجه الحوار يتعلق بما إذا كان سيحصل على «تأشيرة عبور» إقليمية ودولية ام انها ستُحجب عنه، بعدما أصبح الخارج يملك النسبة الراجحة من الاسهم في الأزمة الحالية، وهنا يتخذ الانقسام اللبناني بُعدا إضافيا بسبب التباين بين أطرافه حول تحديد هوية أصحاب المصلحة في العرقلة.

بالنسبة الى المعارضة، لا جدال في ان الولايات المتحدة الاميركية هي صاحبة المصلحة الحقيقية في السعي الى عرقلة التسوية الداخلية، لان تحقيقها يتناقض مع رغبة واشنطن في إبقاء الساحة اللبنانية منصة انطلاق للضغوط على سوريا وإيران من أجل دفعهما الى تقديم تنازلات في ملفي العراق والصراع العربي ـ الاسرائيلي.

في المقابل، تركز الموالاة في أدبياتها السياسية على اتهام سوريا بوضع العصي في دواليب الجهود المبذولة لمعالجة الازمة الراهنة، لانها تريد بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة ان تبعد عنها الكأس المرة للمحكمة الدولية، حتى ولو تطلب ذلك إشاعة الفوضى في لبنان. ويعتبر «الموالون» في هذا السياق ان دمشق هي الاكثر تضررا من التفاهم السعودي ـ الايراني على تهدئة الوضع الداخلي وأنها توظف نفوذها على حلفائها المحليين من أجل تفريغ هذا التفاهم من محتواه وتعطيل مسار المحكمة في الاقنية الدستورية اللبنانية.

ولكن شخصيات لبنانية مقربة من دمشق تستغرب هذا المنطق في مقاربة الموقف السوري الذي يتعرض ـ حسب رأيها ـ الى تشويه مقصود. وخلافا لـ«النظرية» المتداولة في أوساط فريق 14 آذار والقائلة بأن حلفاء سوريا في لبنان ينفذون أمر عمليات بعرقلة إقرار مشروع المحكمة لحماية نظام الرئيس بشار الاسد، يرى المقربون من دمشق ان المعادلة مقلوبة في واقع الأمر لان سوريا هي التي تحاول حماية حلفائها من جرعات التسييس في مشروع المحكمة وليس العكس، ذلك ان المفاعيل القانونية والإجرائية لهذا المشروع تعني لبنان حصرا ولا تتجاوز حدوده الدولية إطلاقا.

ويلفت هؤلاء الانتباه الى ان سوريا تجد ـ بما يخصها ـ ان المحكمة الدولية وفق صيغتها الحالية تبقى على الاقل أفضل من صيغة لجنة التحقيق الدولية التي تستند في عملها الى مجموعة قرارت دولية قاطعة اخطرها القرار 1636 الذي يلزم سوريا إسميا وسائر الدول إجمالا بالتعاون مع لجنة التحقيق تحت طائلة العودة الى الفصل السابع في حال عدم تجاوبها، بينما لا ينطوي النص الحالي للمحكمة على اي خطر من هذا القبيل بعدما أزيل منه بطلب روسي وقبول سائر أعضاء مجلس الامن البند الذي كان يدعو كل دولة تتقدم اليها المحكمة بطلب تعاون الى الاسـتجابة له تحت طائلة استخدام الفصل السابع.

ولما كانت المحكمة لا تملك خارج لبنان صلاحيات فعلية او «أنيابا»، فإن سوريا لا تشعر بأنها معنية بها، ومن باب أولى انها لا ترى فيها خطرا على نظامها ـ كما ينسب اليها المقربون منها ـ أما إذا طلبت المحكمة من دمشق في المستقبل التعاون في مجال ما ـ من قبيل تسليم أحد المشتبه بهم على سبيل المثال ـ فإنها تستطيع ان تتعامل مع الأمر كما تتعامل مع «الانتربول» عندما يطلب منها تسليم أحد المطلوبين، لناحية درس الملف المرفوع اليها ثم إجراء المقتضى، ولا شيء في النص الحالي يلزمها بأكثر من ذلك.

ولكن دمشق تعتقد في المقابل ـ وفق هؤلاء ـ ان المشروع الحالي للمحكمة إنما يستهدف بشكل أساسي وواضح بعض الافرقاء الداخليين الذين تربطها بهم رؤية إستراتيجية مشتركة، وبالتالي فهي توظف موقعها الاقليمي المؤثر لتقليص خطر النص الحالي على حلفائها وبالتالي لمنع الاستقواء به من أجل محاصرتهم او النيل منهم بما يؤدي في نهاية المطاف الى الاخلال بالتوازن الداخلي الذي يشكل الضمانة الفعلية للمصالح السورية الاستراتيجية في لبنان.

ويستغرب المقربون من سوريا مقولة ان دمشق متضررة او مستاءة من التقارب السعودي ـ الايراني لانه يتم على حسابها بشكل او بآخر، لافتين الانتباه الى ان البعض لم يدرك بعد ان التفاهم السوري ـ الايراني قائم على المعادلة الآتية: في لبنان الاولوية سورية، وفي العراق الاولوية إيرانية. وترجمة هذه المعادلة لبنانيا تعني ان طهران تتفهم ان من حق دمشق ان تكون مطمئنة الى ان هناك «سلطة صديقة» في بيروت مستعدة للتنسيق في ميادين العلاقات الثنائية والسياسة الخارجية والصراع العربي ـ الاسرائيلي.

وفي سياق متصل، يتوقع «المقربون» ان تشهد العلاقة السورية ـ السعودية تحسنا، ولو ببطء، وما يعزز هذا المنحى إحساس متنام لدى دمشق بأن الرياض تقترب تدريجيا من ملاقاتها في منتصف الطريق، مع التطور المستجد في طريقة مقاربتها لقضايا المنطقة من العراق الى فلسطين مرورا بلبنان، على قاعدة وأد الفتنة التي يسعى المشروع الاميركي الى إشعال حريقها في الشرق الاوسط الجديد، ومن المؤشرات الايجابية التي لحظتها القيادة السورية في السلوك السعودي مؤخرا رعاية الرياض لاتفاق مكة بعدما كانت تحاصر حركة حماس، ومساهمتها في الوساطة بين حزب الله والموالاة بعدما كانت قد وفرت تغطية للحرب الاسرائيلية على الحزب، ثم إذا كان الحوار قد انطلق بين سوريا من جهة وأميركا وأوروبا من جهة أخرى، فهل يجوز ان يبقى مقطوعا بين دمشق والرياض؟

مصادر
السفير (لبنان)