"عرب 48"

لم تضمن الديمقراطية والدولة الحديثة للنساء حقوقهن الكاملة، فمفهوم حق مشاركة المراة في صنع القرار السياسي بمعنى الانتخاب والتصويت لم يشمل النساء، في بدايات القرن الماضي. بل تم اقصاؤهن خارج الحلبة السياسية، مما دفع بحركات تحرر المرأة، وعلى رأسها حركة "السفرجيتيوت" suffagists ( الاسم مشتق من كلمة - Suffrage-بالانجليزية وتعني – حقوق للنساء) برفع شعار حق المرأة في التصويت. جرى ذلك في كافة بلدان اوروبا بتفاوت زمني، بين فرنسا وسويسرا وروسيا واسبانيا، وكذلك الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية.

بدأت هذه الحركة طريقها هناك، وكان نضال مجموعة نساء واشنطن العاصمة والذي بدأ عام 1912، متميزا بمضمونه واستراتيجياته النضالية. وقد دفعت النساء المنتميات لهذه الحركة الثمن باهظا، حينها، حيث تم اعتقالهن وزجهن بالسجن وعند اختيارهن من منطلق واع، حق الإضراب عن الطعام كصورة احتجاجية على اعتقالهن ورفض التعامل معهن كمعتقلات سياسيات. قامت سلطات السجون بأوامر حكومية، باتهامهن بالجنون والخلل النفسي، محاولة بذلك تشويه الصورة النضالية التي اخترنها لأنفسهن، وجرت محاولة كسر وحدتهن وكسر اضرابهن عن الطعام من خلال عزل النشاطات والقياديات ضمنهن في سجن انفرادي، وإجبارهن بالقوة وباستعمال اجهزة طبية على ادخال مواد غذائية لأجسادهن لكسر اضرابهن. وفقط بعد نضال طويل، وبعد أن تم سجن اكثر من 200 امرأة في سجون الولايات المتحدة واتهمن بالخيانة كونهن خرجن للتظاهر ضد الرئيس الأمريكي ويلسون وهو في قمة "حاجته لدعمهن بينما الأبناء يحاربون عبر البحار" (الحرب العالمية الاولى)، فقط في العام 1920 حصلت نساء واشنطن على حق التصويت-الانتخاب. حيث أثبتت النساء الناشطات بذلك مقولتهن الشهيرة أن "الحرية لا تساوي شيئا إن لم تترجم على أرض الواقع".

************
وبينما كانت حركات النساء في العالم الغربي، في دول أوروبا، والولايات المتحدة الامريكية في عشرينيات القرن الماضي وعلى رأسهم الحركة المذكورة، تطالب بحق المرأة في المشاركة بالعملية الديمقراطية من خلال التصويت-الانتخاب، حيث لم تضمن لهن الدولة الديمقراطية حقوقهن المتساوية كمواطنات، فإن النساء العربيات في الأقطار العربية التي خرجت للتو من حكم الدولة العثمانية، والتي وقعت مباشرة تحت الاستعمار الغربي- بصورته الانتدابية، وقعن هن أيضا ضحية هذا الاحتلال وتبعاته.
مقابل مطالبة نساء الغرب بحق التصويت، طالبت النساء العربيات، بحق الاستقلال السياسي وإقامة الدولة القومية العربية بدل دولة الاستعمار.

منذ ذلك الحين شهدت الأقطار العربية، وضمنها فلسطين وسورية ولبنان وكذلك دول شمال أفريقا وخاصة مصر، حركة نسائية نشطة مناهضة للاحتلال والهيمنة الغربية. وكان للنساء الفلسطينيات قسط خاص، كون مواجهتهن وكجزء من شعبهن وكجزء من الحركة القومية جاءت في ساحتين، من جهة مقابل الانتداب البريطاني ومن جهة أخرى مقابل الاستيطان الصهيوني.

منذ وعد بلفور عام 1917 والذي وعهد اليهود بوطن قومي، ووقوع فلسطين رسميا تحت الانتداب البريطاني في أوائل العشرينيات، تحولت أجندة الحركة النسائية الفلسطينية هناك من خلال الجمعيات الأهلية جديدة العهد، من العمل الخيري الاغاثي الى العمل السياسي الثوري، فانخرطت في الحركة السياسية، وجاءت نشاطاتها واستراتيجيات عملها في تنسيق تام معها.

خرجت نساء المدن للتظاهر ضد الانتداب وضد وعد بلفور، وسبقتهن إليه نساء القرى، حيث شهدت منطقة مرج ابن عامر، أوائل المظاهرات النسائية الضخمة بمشاركة ما لا يقل عن 200 امرأة، كما تذكر مصادر تاريخية.

وقد كانت سبقت هذه النهضة والمشاركة النسائية السياسية، نهضة أدبية ثقافية وشاركت النساء الفلسطينيات والعربيات كذلك بشكل نشط وفعال في تثبيت الحركة الثقافية الأدبية العربية ككل. سواء من خلال الصالونات الأدبية كما فعلت الأديبة مي زيادة(1886-1941)، أو من خلال الكتابة والنشر. زيادة تنقلت بين مصر ولبنان وفلسطين، وأقامت صالونها الأدبي المشهور، ولها العديد من الكتابات.

وهناك كلثوم عودة (1892-1965)، الحاصلة على لقب البروفيسور من الجامعة الروسية عام 1928 التي زارت فلسطين وألقت عدة محاضرات في عدد من المدن وكان هدف الزيارة دراسة حالة النهضة النسائية في فلسطين وسورية ومصر، لولا أن السلطات منعتها من دخول مصر وسورية. وهناك أيضا فاطمة اليشطرية (1890-1979) الرائدة في علم التصوف والتي تركت عدة كتابات في المجال إضافة لسيرة ذاتية، وهناك نبيه ناصر (1890-1951)، إضافة لتأسيسها مدرسة للبنات في بير زيت والتي تحولت لاحقا الى جامعة، كانت لها مساهمة نشطة في الحركة الوطنية كما وشاركت في المؤتمر النسائي الشرقي برئاسة هدى شعرواي عام 1938.

وفي العالم العربي على سبيل المثال لا الحصر، نذكر من أوائل الكاتبات العربيات رائدات النهضة المصرية ملك حفني (1886-1918) التي بدأت كتاباتها من خلال مجموعة مقالات نشرت باسم "النسائيات"، عائشة تيمور (1840-1902) أصدرت أول ديوان شعر باسم "حلية الطراز" عام 1884ومن ثم كتبت "نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال" عام 1887، وزينب فواز (1860-1914)، التي أصدرت كتابها "الدر المنثور في طبقات ربات الخدور" والذي أرخت لسير ذاتية نسائية، وهناك نبوية موسى (1886-1951) التي كتبت "تاريخي بقلمي"، وهناك العديد من النساء اللاتي يغفل التاريخ من ذكر أسماؤهن وإنجازاتهن.

وقد شهدت بدايات القرن العشرين اتساعا ملحوظا في المشاركة الادبية النسائية العربية خاصة من خلال الإعلام المكتوب كالصحف والمجلات. فقامت هند نوفل باصدار صحيفة الفتاة (1892-1894)، وأصدرت لويز حبالين الفردوس (1896)، وأصدرت روجينا عواد صحيفة السعادة (1902-1905)، ولبيبة هاشم (1906) اصدرت فتاة الشرق.

وكان للمرأة الفلسطينية دور أساسي في المشاركة في اقامة الجمعيات اضافة للدور الاعلامي بداية في مناقشة قضايا الساعة الاجتماعية ولاحقا القضايا السياسية.

وقد شهدت مجلات وصحف القرن العشرين نقاشات جريئة في قضايا تهم المرأة وتؤثر على مكانتها، كقضية الحجاب والسفور، كما وقامت كاتبات كإفلين بسترس اللبنانية بمعالجة قضية "شرف العائلة"، وكتبت رواية عالجت الموضوع، اعتمدت قصة حقيقية جرت عام 1921، نشرتها عام 1958، ربطت فيها بين السياسي والاجتماعي والاقتصادي لتؤطر جريمة الشرف في الإطار المركب المعقد.

وأخذت الإعلاميات والناشطات السياسيات الفلسطينيات دورا رئيسيا في مناهضة الاستعمار البريطاني والتصدي للاستيطان الصهيوني في أرض فلسطين فكتبت ساذج نصار ووديعة قدورة خرطبيل وعنبرة سلام الخالدي وأسمى طوبي ومثيل مغنم واديل عازر في الصحف المحلية والعربية. أصدرت مثيل مغنم كتابها عن المرأة الفلسطينية في العام 1937، باللغة الانجليزية وصرحت هناك "أن لا حديث عن حقوق نساء ما دمنا تحت الاحتلال". وأكدت ناشطة الحركة السيدة وديعة قدورة خرطبيل في كلمتها في مؤتمر الشرق على اللحمة والوحدة ما بين الأرض والقضية فقالت يومها: "الأرض قضيتنا ولا قضية لنا إلا الأرض".

عملت ماري شحادة في مرآة الشرق وعملت ساذج نصار في مجلة الكرمل وترأست تحريرها ما بين الأعوام 1941-1944. هذه المرأة تم زجها بالسجن لمدة عام دون أن تقدم ضدها لائحة اتهام في حين استعملت الشرطة البريطانية في حينه أمر الطوارئ من أجل تطبيق سجنها. وتم تعريفها من قبلهم بأنها "امرأة خطرة جدا". إضافة إلى اعتقال عدة نساء أخريات اتهمن بحمل السلاح أو بتهريبه أو بتخبئته. وكانت الأحكام على النساء قاسية جدا تصل إلى عشر سنوات سجن فعلي وضمنهن كانت نساء متزوجات وأمهات.

كما وأخذت المرأة الفلسطينية دورا في المقاومة المنظمة عام 1928 (ثورة البراق) ومن ثم 1936 (الثورة الكبرى) ومن ثم عام 1948 (عام النكبة) وما بعدها. ودفعت حياتها ثمنا، فسقطت العديد من الشهيدات، وتم اعتقال العديد من النساء وزج بهن في سجون الاحتلال.

تحدت المرأة الفلسطينية مصادرة الأراضي والتهجير بشكل فردي وجماعي، ووعت قضيتها وكتبت أسماء طوبي كتابها "عبير ومجد" (1966) من "أجل موطن غال" ومن "أجل أن يعرف الناس الكثير "عن المرأة وكي "لا تظل المرأة مغمورة كما كانت البلاد..فأصابها ما أصابها نتيجة جهل الناس بواقعها". وقامت حركة النهضة النسائية عام 1948 بمحاولات عدة لمنع التهجير ومحاولة تثبيت العائلات الفلسطينية في بيوتها، أو إعادة اللاجئين لبيوتهم بعد مدهم بالمساعدات. كما وكانت المرأة الفلسطينية بين العائدين، من أسمتهم الدولة العبرية "المتسللين"، وتم مجددا طرد من تم الإمساك به، متلبسا بجريمة "العودة"، حيث أغلقت الدولة العبرية الحدود، لتطبيق نظرية الحاضر غائب.

وبينما حصلت النساء في العالم العربي على الاستقلال السياسي ضمن حدود الدولة القومية، وتحولت معركتهن مجددا، إلى معركة اجتماعية، بعد أن تم تهميش دورهن، وسنت قوانين اجتماعية تمس بهن وبحقوقهن مثل حق التنقل والتحرك دون وصاية ذكورية، وحق إشغال مناصب معينة حددت للرجال فقط كالطب والقضاء وما شابه. فإن النساء الفلسطينيات، ما زلن يناضلن من أجل نيل الحرية والمساواة أسوة بباقي أبناء شعبهن، في الضفة والقطاع، وما زلن يطالبن بالعودة كجزء من اللاجئين، حيث تحتفظ الجدات بمفاتيح البيوت كما تحتفظن بذكرى فلسطين حية في نفوسهن وتنقلن الرواية من جيل الى جيل.

وأما المرأة الفلسطينية التي حولها الإعلان عن قيام الدولة العبرية، إلى مواطنة ضمن حدودها، فما زالت ترزح هي أيضا تحت أعباء مضاعفة وقمع مزدوج. فهي مواطنة منقوصة الحقوق في دولة تميز ضدها كجزء من أقلية قومية مهشمة، إضافة لمعاناتها المجتمعية على أساس جندري من ممارسات وبعض تقاليد تحط من مكانتها وتمنعها من ممارسة حقوقها. هذا بجانب الكثير من الإنجازات التي حققتها على المستوى الفردي والجماعي في أمور أخرى لا تقل أهمية.

إلا أن المرأة الفلسطينية، خاصة في أماكن معينة من هذا الوطن ما زالت تعاني الأمرين، جراء ممارسات الدولة القمعية، فعشية يوم المرأة العالمي في السابع من آذار عام 2007، قامت السلطات بهدم قرية منطقةالطويّل-أبو جرول، بجانب اللقية، في النقب عن بكرة أبيها. بحجة البناء غير المرخص، كونها قرية غير معترف بها.

في القرن الواحد والعشرون، في قلب الدولة "الديمقراطية" في قلب الشرق الأوسط، ما زالت النساء الفلسطينيات، يعشن في القرى "غير المعترف بها" في ظروف بيئية حياتية صعبة جدا، تميز ضدهن على المستوى الإنساني وعلى مستوى المواطنة.

ما زالت النساء تعشن في قرى لم يتم ربطها بشبكة المياه أو تصريف المجاري، أو شبكة الكهرباء. ما زلن يعانين كونهن يعشن في قرى غير موجودة على الخارطة الهيكلية للبناء والترخيص أو خارطة الميزانيات، أو خارطة تعبيد الشوارع، فتعاني النساء من الفقر ونقص الخدمات الصحية والاجتماعية ويعاني أبناؤهن وأبناء أقاربهن من نقص الخدمات التربوية والترفيهية والتثقيفية.

في هذه الدولة التي تبنت سياسية اقتصادية ليبرالية جديدة، ما زالت النساء العربيات خاصة تتصدرن سلم الفقر والبطالة. وما زالت النساء العاملات "ضحايا خطة فسكونسين" تعانين الأمرين، كونهن نساء وعاملات بالأجرة.

بالتالي، لا يسعني في هذا اليوم إلا أن أؤكد، أن يوم المرأة العربية، ما زال يوما للنضال وليس للاحتفال. لكن، مع هذا فإن من حق النساء الاحتفال، وتذكر ما قمن به من انجازات، لكن دون أن يغفلن دورهن في النضال.

تحية لكل النساء العاملات، والسجينات السياسيات. تحية لكل الفلاحات المرتبطات بالأرض، وكل الطالبات الساعيات لنيل العلم. تحية لكل الأمهات العاملات داخل بيوتهن دون أجر مالي، اللاتي يصرفن الجهد والوقت دون ان ينلن دوما التقدير على هذه الأعمال.

تحية خاصة في هذا اليوم أوجهها للعاملات ضحايا خطة فسكونسن، اللاتي لم تخرجهن الخطة من مخصصات ضمان الدخل كما وعدن بل أدخلتهن مجددا إلى دائرة الفقر. كما وأرسل تحية خاصة ايضا لنساء القرى غير المعترف بها، ومنهن خاصة نساء قرية الطويّل-أبو جرول، اللاتي هدمت بيوتهن، وهدم حقهن الأول والأساسي في العيش بكرامة تحت سقف بيت آمن يحميهن برد الشتاء وحر الصيف. وهو ابسط واول الحقوق ليس فقط في الدولة الديمقراطية بل في مفاهيم الانسانية.
تحية لكل المناضلات بكل المجالات، وكل نضال وأنتن بألف خير...