في حال لجأنا لتقنية الوثب العالي و قفزنا براغماتيا فوق توصيفات الانتخابات في هذا البلد و التي عادة ما تأخذ أنماطا تضادية , تنافرية , من قبيل ( ديموقراطية \ لا ديموقراطية , شرعية \ لا شرعية , و لاحقا "مر \ لا مر " كزية , "تم \ لا تم " ثيلية , "شك \ لاشك" لية ) ؛ فكيف عسانا ننجو من شقيقة تناول استعصاءات الهوية و التعريفات المتناحرة ايبستمولوجيا حول ماهية المثقف عموما و المثقف العربي خاصة و السوري على الأخص , ناهيك بنا - كما الحال هنا - و نحن نضع الكلمتين كلتاهما معا في هذا السياق التتابعي المنهك.

غير أننا و كالعادة نستمرئ دائما في تناولاتنا الصحفية عملية استحضار هذا المثقف من غياهبه و تيهه الفكري المستفحل ؛ لنستنطقه بما يخص أي شيء و كل شيء , و هنا وحاليا جدا : الشأن الانتخابي المحلي , - مع أن الأمر مبرر تماما من حيث أن المعمعة الانتخابية نفسها تتغذى على أمثال هذه الاستحضارات - و بغرض ليس أقل جهوزية من الدراسة المخبرية للعلاقة المتبادلة بينهما إن وجدت (على افتراض وجودهما هما أصلا) , مع أن الأجدى بالدراسة ميدانيا هو ذلك الشيء إياه الذي كان الأخ - من آخ التوجع لا من أخ الأخوة - المثقف يفعله بالضبط في الثواني المصيرية التي سبقت هذا السؤال مباشرة , و ذلك الذي ينوي على وجه السرعة أن يقوم به توا بعد (الفراغ) من الإجابة عنه , في حال تسنى له ذلك .

و إذا كان "المثقف" لسانيا ينحدر أصلا من "الثقافة" كنحت لغوي سليم , فإن السلامة تستتبع و نحن نسأل المثقف عن الانتخابات ؛ أن نتأكد من انحدار هذا الأخير هذه المرة من ثقافة انتخابية ما , تسلمه زمام شرعية الحديث في الانتخابات وعنها , و إلا فأي فائدة عساها تتأتى عن إراقة كل هذا الحبر مطبعيا لتدوين هيولات و استيهامات كتيبة من ربيبي التلقين و الإملائية حول هذا الشأن بالذات .
فمن يأخذ مثلا "اتحاد الكتاب العرب" بوصفه مؤسسة مطوّبة رسميا على أنها ثقافية , و تضم عرفيا كماً لا بأس به ( أو عليه ) من مثقفي البلد ؛ و يعرّج تاليا على إرثه الانتخابي المكرس منذ ما يقارب الأربعين عاما ؛ ماذا تراه يجد \ لا يجد ؟!!

الملاحظ في الملاحظات , و بدون أي حاجة لأدنى تثاقف , أنه و في أماكن أخرى من العالم - بعيد الشر عن قلبنا - يبدو الأمر ببساطة , وكما قد تشرحه لي ابنتي يوما ؛ عبارة عن تعاقب دوري لعدد لا بأس به من الجالسين على الكرسي الواحد , في حين أن العرف لدينا هو تعاقب عدد لانهائي من الكراسي على عقب الجالس نفسه ........... بعدين شو منشان : "مكره أخاك ؛ لا مثقف ".