تعتمد الاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية على مصدرين اساسيين لجمع المعلومات الاستخبارية اللازمة لحربها ضد حركات المقاومة الفلسطينة، وهما المصادر البشرية، القائمة على تجنيد العملاء، سواء كانوا عملاء غير مرتبطين بتنظيمات محددة، أو عملاء تستطيع زرعهم داخل هذه التنظيمات. والمصادر الالكترونية، والقائمة على الاستعانة باحدث ما توصلت إليه التقنيات المتقدمة " الهايتكنلوجي".

وكما أن هناك اقسام داخل المؤسسات الاستخبارية الاساسية في الدولة العبرية تعنى بشكل خاص بتجنيد العملاء، فان هناك اقساماً تعنى بالتجسس الالكتروني. لكن في كل ما يتعلق بالتجسس الالكتروني فانه من بين الاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية الثلاث وهي جهاز المخابرات الداخلية " الشاباك"، وشعبة الاستخبارات العسكرية " امان "، وجهاز " الموساد "، فيبرز جهاز " أمان "، بالدور الاساسي والحاسم في كل ما يتعلق بهذا المجال من عمليات التجسس الالكتروني. ومنذ ثلاثة عقود دشن جهاز " أمان "، الذي يعتبر أكبر الاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية، قسما متخصصا في مجال التجسس الالكتروني، أطلق عليه " الوحدة 8200".

وقد اعترف الجنرال المتقاعد اوري ساغيه، الرئيس السابق لجهاز " امان " بوجود مثل هذه الوحدة، التي اعتبرها من أهم الوحدات الاستخبارية في الدولة العبرية. كما قال الجنرال اوري ساغيه فأن اهداف " الوحدة 8200" هو المساهمة في تقديم رؤية استخبارية متكاملة مع المعلومات التي توفرها المصادر البشرية القائمة على العملاء. وتعتمد الوحدة على ثلاث صور من صور العمل في المجال الاستخباري وهي: الرصد، والتصنت، والتصوير، والتشويش. ويتطلب هذا النوع من المهام مجال واسع من وسائل التقنية المتقدمة. ومن الاهمية بمكان ان نشير الى ان مجمع الصناعات العسكرية الاسرائيلية الذي تملكه الحكومة الاسرائيلية يقوم خصيصا بتطوير اجهزة الكترونية بناء على طلبات خاصة من القائمين على " وحدة 8200"، التي يقودها ضابط كبير برتبة عميد.

ومن الاهمية بمكان ان نشير الى ان هناك مهام روتينية تقوم بها " وحدة 8200"، ومع الزمن اصبح هذا النوع من المهام لا يتطلب قدرا خاصا من التطوير بسبب عدم قدرة المجتمع الفلسطيني على مواجهة هذه التقنيات للبون الواسع في مجال التقدم التقني في هذا المجال. ومن هذه المهام: أولاً : التنصت والرصد: يعتبر التنصت على اجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية من المهام الاساسية للوحدة " 8200 "، فالهواتف الارضية والنقالة، واجهزة اللاسلكي يتم التنصت عليها بشكل دائم. والذي يساعد الوحدة على اداء مهمتها بشكل تام، هو حقيقة ان اسرائيل هي التي اقامت شبكة الاتصالات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي بالتالي لا تحتاج الى عمليات التقاط للمكالمات، بل ان المقاسم الرئيسية لشبكة الاتصالات الفلسطينية مرتبطة بشكل تلقائي بشبكة الاتصالات الاسرائيلية "بيزيك". الى ج انب ذلك فان شبكة الهاتف النقال الفلسطيني الوحيدة العاملة في الاراضي الفلسطينية والمعروفة ب " جوال "، تعتمد على اسرائيل في الكثير من خدماتها، فضلا عن توقيعها على اتفاق مع شبكة " اورانج "، الاسرائيلية للاتصالات، الامر الذي يجعل الوحدة " 8200 "، لا تحتاج الى كثير من الجهود من اجل رصد المكالمات الهاتفية. اما بالنسبة لاجهزة الاتصالا للاسلكي الاخر المستخدمة في الاراضي الفلسطينية، سيما اجهزة" ميريتس "، فهي اجهزة اسرائيلية خالصة، الى جانب اعتماد الالف الفلسطينيين على شركات الهواتف النقالة الاسرائيلية، مثل سيلكوم وبيلفون، وغيرها من الشركات. لكن ما هي الفئات التي يتم التنصت عليها: 1- قادة وعناصر المقاومة: من اجل رصد تحركات عناصر المقاومة من التنظيمات المختلفة، تعطي الوحدة "8200" اولوية قصوى لتنصت على ه واتف عناصر المقاومة. بحيث تستخدم المادة التي يتم التنصت عليها في بناء ملف امني للذين يتم رصد مكالماتهم، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية يتم استخدام رصد هذه المكالمات في احباط عمليات تخطط لها حركات المقاومة. فضلا عن استخدام محتوى هذه المكالمات في تحديد الاجراء المتخذ ضد عناصر المقاومة، ان كان اغتيالا او اعتقالا. وكما دلت التجربة فان رصد المكالمات من قبل الوحدة يساعد محققي المخابرات الاسرائيلية مع عناصر المقاومة لدى اعتقالهم، وتقديم الادلة ضدهم. وهنا يتوجب الاشارة الى نقطة بالغة الاهمية، وهي انه عندما يتم اعتقال اياً من عناصر المقاومة فان جنود الاحتلال يحرصون على الاستيلاء على هاتفه النقال. وبتقنية معروفة لدى خبراء التقنية العاملين لدى " الوحدة 8200 " يتم الحصول على محتوى جميع المكالمات التي اجراها صاحب اله اتف النقال، او تلقاها في غضون شهر كامل. وقد شهد عدد من المعتقلين ان محتوى مكالماتهم قام محققو المخابرات بعرضه عليهم اثناء التحقيق من اجل اجبارهم على الاعتراف. 2- قادة السلطة ومسؤوليها: تبدي المخابرات الاسرائيلية اهتماما بالغا بمعرفة ما يدور في اروقة السلطة، من اجل مساعدة الحكومة على اتخاذ القرارات المناسبة في كل ما يتعلق بالعلاقة مع السلطة. وقد نقلت الصحف العبرية عن مصدر امني قوله ان " الوحدة 8200 " ، بناء على تعليمات من قيادة جهاز " امان " لا تستثني ايا من قادة والسلطة ومسؤولي وموظفي اجهزتها الامنية من عمليات التنصت المنهجية. وقد كشفت القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي النقاب عن ان شارون نجح في اقناع الرئيس بوش في التحول ضد عرفات بهذا الشكل الجارف عندما عرض شارون على مسامع بوش محادثات لعرفات يطلب فيها من مقاو مين في حركة فتح مواصلة العمل المسلح ضد اسرائيل في مطلع انتفاضة الاقصى، وقد تم عرض محتوى هذه المكالمات على الكثير من المسؤولين في اوروبا وبعض الدول العربية التي ظلت على علاقة مع اسرائيل من باب ايجاب المعاذير لاسرائيل في سياستها لحالية ضد الفلسطينيين. 3- شرائح مختلفة من الشعب: المخابرات الاسرائيلية معنية بمعرفة توجهات الراي العام الفلسطيني، من هنا تقوم "الوحدة 8200" بالتنصت على هواتف الكثير من الناس من اجل معرفة توجهات الراي العام، لكن تبدي اهتماما بالتنصت على مكالمات الصحافيين والعاملين في المجال الانساني والاهلي. ثانيا : التصوير : دلت تجربة انتفاضة الاقصى على ان التصوير هو احد اهم مركبات التجسس الالكتروني للدولة العبرية. وتستخدم " وحدة 8200"، تقنيات مختلفة في عمليات التصوير التي باتت امرا ضروريا في رصد تحركات المقاومة الفلسطينية، الى جانب مساهمة عمليات التصوير في تحسين اداء قوات الاحتلال في المواجهات مع المقاومة. ويتم ربط هذه الكاميرات بهيئات القيادة في وزارة الدفاع وهيئة اركان الجيش، حيث اطلاع قادة اذرع الجيش المسؤولين من قبل الجيش على الاوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتتم عمليات التصوير بعدة تقنيات، اشهرها تقنيتين بارزتين، وهما:

1- تركيب كاميرات رقمية كبيرة وعلى قمم الجبال المحيطة بالمدن الفلسطينية في الضفة الغربية، ويتم نصبها على ابراج خاصة امام المدن في قطاع غزة، ويشرف على تشغيل هذه الكاميرات منتسبو " الوحدة 8200 "، حيث يتم توجيه الكاميرات الى المناطق التي ترغب المخابرات والجيش الاسرائيلي تحركات المقاومين الفلسطينيين فيها. وتعتبر عملية التصوير في كثير من الاحيان حلقة في سلسلة العمليات اللازمة في تنفيذ عمليات الاغتيال. وقد كشف الصحافي الاسرائيلي البارز أن هذه الوحدة " 8200 "، تقوم بتركيز هذه الكاميرات على منازل ومكاتب المطلوبين، وبالذات على قادة حركة حماس في اعقاب تنفيذ عملية " اسدود " ، الاستشهادية، والتي قررت اسرائيل على اثرها تصفية قيادة حركة حماس. واضاف كاسبيت ان هذه الكاميرات نقلت صور قادة حماس اثناء تحركهم اثناء في منازلهم وفي شوارع المدن الفلسطينية المختلفة. في نفس الوقت تقوم " الوحدة 8200 "، بتركيب كاميرات لمراقبة ما يجري في محيط المستوطنات اليهودية، او على طول الخط الفاصل بين قطاع غزة والضفة الغربية من جهة ودولة الاحتلال.

2- استخدام الطائرات بدون طيار: ويتم استغلال هذه التقنية بالتعاون بين " وحدة 8200 "، وسلاح الجو الاسرائيلي. الجنرال دان حلوتس، نائب رئيس هيئة الاركان، و قائد سلاح الجو الاسرائيلي الاسبق انه في جميع عمليات الاغتيال التي تمت في الضفة الغربية وقطاع غزة فانه قد تم استخدام هذه الطائرة التي تنتجها مجمع الصناعات العسكرية الاسرائيلية.وتستخدم هذه الطائرة في تسهيل مهمة الوية المشاة التابعة لجيش الاحتلال قبيل واثناء عمليات التوغل داخل الاراضي الفلسطينية. تقوم التي يتم تشغيلها من قادة جوية تقع في محيط مدينة تل ابيب، بمسح المناطق التي ينوي الجيش التوغل فيها وتزود عناصر " الوحدة 8200 " بمعلومات عن تحركات عناصر المقاومة، وعناصر الوحدة يقومون بدورهم بتزويد قادة الجيش بهذه المعلومات اولا باول.وتستخدم هذه الطائرات في مسح الحدود الجنوبية لقطاع غزة بدعوة مراقبة عمليات تهريب الاسلحة بين مصر وقطاع غزة. وحسب مجلة " الاستقلال "،احد ملاحق صحيفة " يديعوت احرنوت "، الصادرة بتاريخ 26 -4-2004 فان هذه الطائرات تستخدم ايضا في تنفيذ عمليات الاغتيال حيث انها مزودة بصواريخ خاصة تقوم باطلاقها على الاشخاص المرشحين للتصفية. وبهذه تصبح وحدة " 8200 "، الى جانب انها ذراع استخباري الكتروني، تقوم عمليات بمهمات ميدانية عملية.

****

الوحدة تأخذ استعدادها لمرحلة ما بعد " فك الارتباط " من ناحية ثانية تبين ان الجيش الاسرائيلي قد كلف " وحدة 8200 "، مؤخرا بالقيام بالترتيبات اللازمة التي تضمن لاسرائيل مواصلة معرفة ما يدور في قطاع غزة بعد تنفيذ خطة " فك الارتباط"، وانسحاب جيشها منه.وحسب تقرير ورد في مجلة الصفوة " فورين ريبورت "، فان وحدة "8200" قامت بزرع اجهزة تنصت وكاميرات والغام في مناطق حساسة ومختلفة من القطاع. وحست تقرير في عددها الاخير فانه في الوقت الذي تستعد فيه المؤسسة العسكرية الاسرائيلية لانسحاب محتمل من القطاع تضاعف شعبة الاستخبارات العسكرية " أمان "، وبالذات " وحدة 8200 "، جهودها في هذه العملية. ووفق المجلة فان «امان» عمل وبكل ما اوتي من قوة لزرع احدث اجهزة التجسس الرقمية (ديجيتال) في القطاع قبل رحيل الجيش عنه وذلك من اجل وضع الفصائل الفلسطينية، او بالاحرى نشطائها، تحت الرقابة الاسرائيلية الدائمة، ونقل اي معلومات مباشرة الى مقر «امان» في تل ابيب.

ويتمثل التغيير الاول الذي ستجريه «وحدة 8200» على حد قول «فورين ريبورت» في زرع كاميرات خفية في المواقع المركزية في القطاع تكون مرتبطة مباشرة بمحطات رصد حي داخل اسرائيل، تعمل على مدار ساعات اليوم. وفي حال وجود نشاطات تعتبرها المخابرات الاسرائيلية" مشبوهة "، مثل التحضير لاطلاق صواريخ على مدن يهودية فان هذه المعلومات تبث عبر الاتصال الالكتروني الكومبيوتري الى اسراب طائرات الهليكوبتر الهجومية التي ستكون جاهزة لتنفيذ عملية ضرب الهدف المعني في غزة. وتضيف المجلة ان عملية زرع الكاميرات التي تتحمل كل التقلبات الجوية وتعمل ليل نهار تحتاج الى اشهر، خاصة ان العمل الاساسي فيها هو تركيب هذه الكاميرات بشكل سري واخفاؤها بطرق يصعب على الفلسطينيين اكتشافها.

واما التغيير الثاني فسيتمثل في زرع اجهزة تنصت في المباني الرئيسية مثل مكاتب السلطة او الفصائل المختلفة. وهذه ليست مهمة صغيرة بل كبيرة للغاية، حسب «فورين ريبورت»، اذ تخطط اسرائيل للسيطرة على ورصد جميع خطوط الهاتف وانظمة الاتصال في القطاع بشكل يمكن الاجهزة الامنية الاسرائيلية من رصد تحركات واتصالات النشطاء. ويخطط الانتهاء من هاتين العمليتين في شهر مارس (اذار) المقبل ـ اي مع بدء عملية الانسحاب التي من المقرر لها ان تنتهي في سبتمبر (ايلول) 2005. وتؤكد «فورين ريبورت» ان بعض التوغلات الاسرائيلية في منطقة رفح جنوب غزة والمناطق الاخرى، المعروفة بوجود كبير للنشطاء الفلسطينيين فيها ، لم تكن اهدافها عسكرية بل كانت غطاء لهذه العملية الاستخبارية الضخمة. وثمة خطة اسرائيلية اهم بل اخطر واكثر تعقيدا يجري تنفيذها في غزة، اذ يفترض الاسرائيليون ان يواصل النشطاء الفلسطينيون شن الهجمات من القطاع.

لذا فان " وحدة 8200 " قامت بتفخيخ المواقع الرئيسية في غزة مثل المباني والمكاتب ومفارق الطرق الرئيسية وحتى محطات الحافلات. وستعمل الاستخبارات على تنشيط هذه الالغام من على بعد اذا ما اكتشفت اجهزة الرصد لديها ان النشطاء يخططون لعملية معادية.ويعتقد الاسرائيليون انه، وبسبب ضيق المساحة الجغرافية للقطاع، سيكون من السهل عليهم، بعد الانتهاء من هذه الخطة، السيطرة عليه .. الامر الذي سيقلل عمليات التوغل العسكري التي تعمل على اثارة غضب دولي.