م. محمود عنبر

هل لعب مجلس الشعب السابق الدور المفترض عليه القيام به؟ أم أن أداءه كان دون الطموح؟ وهل المشكلة في تركيبة المجلس أم في آليات عمله؟ وما هي طرق تفعيل دور المجلس في عملية التنمية؟

أداء المجلس السابق:

رغم أنه من الصحيح أن المجلس السابق قد أصدر العديد من القوانين والتشريعات، إلا أن هذه التشريعات لم تؤد لانعكاسات واضحة. وبعيداً عن تبادل الاتهامات بين الحكومة والمجلس حول التشريعات وتعليماتها التنفيذية التي تصدرها الحكومة، فإن المسؤولية تقع بشكل رئيس على المجلس، وذلك كونه معنياً ليس فقط بإصدار التشريعات، ولكن بالتأكد من التزام الحكومة بها، وبالتالي فالمجلس السابق لم يتمكن من لعب الدور الرقابي المناسب، ولم يتابع أداء الحكومة، ولم يتمكن من التدخل لتصحيح أدائها.

تركيبة المجلس:

لقد لاحظنا في تركيبة المجلس السابق وجود نسبة من المختصين في المجال القانوني، وقد أعاد البعض هذا الموضوع لضرورة إصدار مجموعة كبيرة من التشريعات، وأعتقد أن هذا الموضوع بحد ذاته ربما يشير لخلل ما، إذ إنني أعتقد أن المجلس لا يفترض أن يكلف أعضاءه بمهام تقنية، وربما من المفيد وجود مجالس استشارية يعتمد عليها المجلس، وذلك ليركز السادة الأعضاء على البعد الاستراتيجي للقضايا مع ترك التفاصيل التقنية (قانونية – إدارية – فنية...) للمجالس الاستشارية. على أية حال، ما يهمنا أن تركيبة المجلس (التقنية نسبياً) لم تساعد على تحقيق إنجازات هامة، وبالتالي وضع المجلس في موقع القيام بعبء يتجاوز قدراته، ولهذا كان التركيز على إصدار مشاريع القوانين المحالة من الحكومة، دون التمكن من وضع صورة استراتيجية لهذه القوانين وأولوياتها، أو من وضع آليات لمتابعة تنفيذ هذه القوانين.

بين المرشحين المستقلين والأحزاب:

رغم قناعتنا بضرورة إتاحة عملية الترشيح للجميع، إلا أننا نعتقد أن أي تغيير جدي لن يكون ممكناً تحقيقه إلا من قبل أحزاب، ولذلك فإن صدور قانون الأحزاب أصبح شديد الأهمية، فالأفراد قد يكون وجودهم مفيداً ضمن المجلس، إلا أنه ليس بمقدورهم إلا التركيز على بعض النقاط المحددة، حتى لو قام بعضهم بتوزيع برامج انتخابية، فهم غير قادرين على تنفيذها، أما الأحزاب فيفترض أن تكون لديها الكوادر القادرة على الإلمام بالملفات المختلفة، وبالتالي تتمكن الأحزاب (عبر تواجد كتلها البرلمانية في المجلس) من متابعة الأداء في المحاور المختلفة، وربط هذا الأداء بمؤشرات محددة، ومقارنة ذلك مع الأهداف والاستراتيجيات الموضوعة، وبالتالي تفعيل الدور الرقابي للمجلس على الأداء الحكومي.

قيادة الدولة والمجتمع:

سنحاول في هذا المقالة التركيز على البعد المؤسساتي لهذا الموضوع، وسنترك الحوار السياسي حولها للأحزاب التي سيتم تشكيلها، وبالتالي سيتم التركيز على محاولة فهم الآليات التنفيذية لمفهوم قيادة الدولة والمجتمع.

قيادة الدولة:

فيما يتعلق بقيادة الدولة، نعتقد أن المقصود بهذا المصطلح هو لعب دور في توجيه عمل مؤسسات الدولة وفق اتجاه محدد، وهذا بالتالي يتطلب وجود استراتيجية يتم استخدامها لتوجيه هذه المؤسسات، ويلي ذلك آليات متابعة ومراقبة لمدى التزام مؤسسات الدولة المختلفة بتنفيذ هذه الاستراتيجية، طبعاً هذا التفسير هو على المستوى النظري، أما عملياً فربما يتفق الجميع حول غياب آليات لمراقبة وتصحيح أي استراتيجية يتم وضعها، وبالتالي تبقى الحلقة غير مغلقة، وربما كان موضوع عدم التزام الحكومة بتنفيذ التشريعات واحدة من أهم ظواهر غياب آليات للمراقبة والمتابعة، ومن هنا فربما كان موضوع توجيه مؤسسات الدولة يتطلب آليات رقابة متطورة نعتقد أنها غير موجودة حالياً، وربما يتحمل المجلس المسؤولية الأكبر في ذلك.

قيادة المجتمع:

ربما كانت عملية قيادة المجتمع أكثر صعوبة وتعقيدا من قيادة الدولة، وذلك كون المجتمع له آليات حراك متطورة ومتبدلة باستمرار، وبالتالي تحتاج عملية (قيادة المجتمع) لمؤسسات شديدة التعقيد والتطور والمرونة، ولو قارنا ذلك بالوضع الحالي للمنظمات والنقابات المهنية (المكلفة بذلك على المستوى النظري) للاحظنا عمق الفجوة بين المفاهيم النظرية وما يتم على أرض الواقع، وربما يجب الاعتراف بأن قيادة المجتمع يجب أن تكون عبر برامج وتنظيمات وطنية تتجاوز المفاهيم الحزبية، وذلك بسبب الحاجة لمساهمة الجميع في هذه المهمة المعقدة والمتطورة دوماً، وهنا ربما من المفيد النظر بطريقة مختلفة للمنظمات الأهلية ودورها الهام في هذا المضمار، إذ إنني أعتقد أن المنظمات غير الحكومية هي الجهة ألأكثر قدرة على لعب هذا الدور، وإن ربط المنظمات الشعبية والنقابات المهنية بالحكومة قد أضعف من قدرتها على التأثير في الحراك المجتمعي فكيف بقيادته.

بين المعارضة السياسية والعمل غير الحكومي:

أعتقد أن غياب قانون الأحزاب قد جعل من التمييز بين العمل السياسي (المعارض) والعمل غير الحكومي أمراً صعباً، وهذا خلق مجموعة من المنظمات غير الحكومية ذات الأهداف السياسية، وهذا أمر ضار بحركة المنظمات غير الحكومية التي يفترض أن تكون ذات أهداف وطنية لا تتعلق بالتوجهات السياسية، وتكمن الخطورة في هذا التداخل من طبيعة الخبرات والإمكانات التي يجب أن تتوفر في كل جهة وفي المواقف التي يمكن أن تأخذها، فاعتماد منظمة (غير حكومية) لمواقفها استناداً لأبعاد سياسية يفقدها مصداقيتها، ويجعلها أسيرة التوجهات السياسية (الحكومية أو المعارضة)، وبالتالي تفقد قدرتها على النظر للأمور من بعد وطني وتقني ومحايد. وقد أضر هذا التداخل في السنوات السابقة في معظم حراك المجتمع الأهلي، فمن ناحية أصبحت المزاودة السياسية جزءاً من تعابير بعض هذه المنظمات (الأهلو سياسية)، كما أنها رسمت صورة لمنظمات المجتمع الأهلي مغايرة لصورتها الأساسية (ذات الأبعاد التنموية والوطنية)، وهذا ربما أدى لتشويش لدى الجهات الحكومية مما جعلها تعتبر أن المنظمات غير الحكومية (هي منظمات معارضة سياسية)، وسهلت عملية استهدافها بشكل أو بآخر. وهنا ربما من المفيد التحذير من أن غياب المنظمات غير الحكومية سيضعف من الدور الحكومي أمام أصحاب رؤوس الأموال، وبالتالي تفقد الحكومة قدرتها على حماية المواطن والمجتمع من الاتجاهات الرأسمالية الاحتكارية في الوقت نفسه، ويجعلها غير قادرة على توجيه عملية التغيير.

الجهاز الحزبي ومجلس الشعب:

قد يكون مجلس الشعب هو الآلية المنطقية للعلاقة بين الجهاز الحزبي والجهاز الحكومي، وبالتالي فهو الوسيلة التي تؤمن استقلالية الجهاز الحكومي مع ضمان أن التوجهات منسجمة مع الأبعاد السياسية، أما التداخل بين الجهازين الحزبي والحكومي فهو ليس في مصلحة أي من الطرفين، إذ أنه يفقد هذه العلاقة بعدها الاستراتيجي، ويتحول المفهوم تدريجياً من قيادة إلى إدارة إلى تسيير إلى تحمل وتحميل للأخطاء وتبادل للاتهامات، وهذا يؤدي لازدواجية في آليات الرقابة الاستراتيجية، وهذه ينجم عنها خلل استراتيجي ربما ظهرت بوادره في طريقة انحراف الاستراتيجيات أثناء تنفيذها، وبرز ذلك بدءاً من القرارات إلى الخطط الخمسية ووصولاً إلى الخطط السنوية وطرق تنفيذها، فالقضية ليست في تكرار التسميات والشعارات بقدر العمل جدياً على تحويلها لواقع ملموس يؤدي لانعكاسات استراتيجية إيجابية، وهنا نعتقد أن مجلس الشعب هو المكان الوحيد الذي يمكن له لعب هذا الدور، فيما لو تم تطوير آلياته، وتركيبته أيضاً.