يبدو أن مجرد الثبات عند موقف عربي ما ، صار يعتبر نصراً في زمن الانحطاط والتراجع العربي المتسارع ، وعليه فقد جاءت قمة الرياض لتكتسب اسم قمة القمم ، فلا تنازلات جديدة أكثر مما تم التوافق عليه في قمة بيروت قبل سنوات ولو مضى على ذلك منها خمس ، كانت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني يراهنان خلالها على تجاهل المبادرة أو طمسها ، وتبين لنا أخيراً أن ذلك لم يكن عملية تجاهل أو طمس ، وإنما تنويم بطريقة ما ، ليوقظوها بعد هذا السبات الخماسي طالبين تطويرها لتجاري الواقع الذي أوجده الصهاينة ، ويناسبهم، وإلا فلتذهب إلى النوم ثانية لتحقيق مزيد من " تغيير الواقع الحالي " إلى واقع جديد يجري العمل عليه بهمة ونشاط ، مقابل صمت عالمي وعربي مريبين.

لم يداخلني الشك قط في رفض السيد عمرو موسى لأي تعديل على المبادرة العربية ، وكما قال : أوليس المفروض أولاً أن يبدي الكيان الصهيوني قبوله بالمبادرة كأساس ، ثم لتجري المفاوضات ...! ، مساكين قادة العرب ، يحلمون أن يعلن قادة الصهاينة مجرد موافقة على مبادرة .. ، أية مبادرة ، رغم أنهم تجاوزوا في قبولهم الكيان الصهيوني كواقع ، مطالب الأمم المتحدة ذاتها ، وقد أذهل كرمهم دول العالم ، وشعوبه التي كانت تتضامن مع الحق العربي الذي يجري التفريط فيه بنداً إثر بند ، وجزءاً إثر جزء من مجمل القرارات الدولية ، ومع ذلك يرفض الصهاينة . . !.

قبل القمة قال السيد أمين الجامعة العربية : لن نقع في الخطأ ثانية ، وسنحدد الزمن ، ...! وفهمنا من ذلك أن قادة العرب سيحددون موعداً لقبول المبادرة أو رفضها ، من ثم تأتي احتمالات ... وإجراءات ردود فعل الدول العربية لتحصيل الحق الذي ترفض الصهيونية الاعتراف به ، رغم اعترافهم بهذه الصهيونية وكيانها البدعة ، - القائم على الخرافة - وقلنا ربما يبدأ البعض بالخطوة الأولى ... تجميد العلاقات ، تخفيض التبادل بكل أشكاله ، الاقتصادي وهو ( الأكثر إيلاماً للصهاينـة) ، فالدبلوماسي ، بدءاً من رفض استقبال المبعوثين والممثلين لحكومة الكيان ، وصولاً إلى قطع العلاقات بشكل تام ، وكنا ندرك أن ذلك يندرج في باب الحلم المستحيل ..! مَن يجرؤ على التصرف هكذا ..؟ - يقول مسئول تركي رفيع : نعم نحن حلفاء أمريكا ، لكننا نستطيع قول لا متى شئنا ومتى تعارض الموقف مع مصالحنا ، ( وقد أثبتنا ذلك في حرب أمريكا الأخيرة على العراق ) ، لكن البعض في بلادكم "العربية " ليسوا حلفاء لأمريكا أو غيرها ، بل عملاء وتوابع ، وهؤلاء لا يملكون حق النطق بمثل هذه الكلمة الكبيرة رغم أنها حرفان ..!.

بحثت ونقبت ، و ( بحبشت ) في كل ما كتب عن القمة ، في ما نشر عن مقرراتها ، وفي تفاسير المقررات ، وكل الملاحق ، ومضت أيام عديدة قبل أن أكتب مقالتي هذه ، فما وجدت ذكراً لزمن محدود ، أو شرط موعود ، أو مجرد بيان احتمال يترتب على رفض الكيان العدو للمبادرة حتى ولو كان احتمال الرفض يضر بالكيان ، ليس لموقف يتخذه القادة وتطبقه الحكومات ، بل لمواقف قد تبادر الشعوب إلى اتخاذها ، وربما تكون عمليات الرد الشعبية مقلقة ، بل باعثة الفوضى والاضطراب في أوساط العدو ، ومراكز تجمع مستوطنيه ، وهذا الأمر في صلب قلق ومعاناة جورج دبليو بوش ، إذ أن كل حسابات الانسحاب الأمريكي من ورطة العراق يحكمها هاجس وحيد هو : أمن الكيان الصهيوني واستمرار استقراره ...، ولكن كيف ..؟.

سجلنا لقمة الرياض موقفاً غريباً فيه شبه صفعة لحكومة بوش ، ربما تكون حركة الديمقراطيين في أمريكا هي المشجع على موقف كهذا ، وقد جاء الموقف من طرفين ، الأول : من الملك عبد الله ( خادم الحرمين ) الذي قال إن العراق واقع تحت احتلال غير مشروع ..! وهل هناك احتلال مشروع واحتلال غير مشروع ...؟ هكذا تساءلنا ، وتوقعنا أن لا يطول الأمر بالملك السعودي لينال عقابه قبل أن يسقط المحافظون الجدد ، وهم لن يسقطوا قبل أن يزرعوا بندرهم في الحديقة السعودية ، وعلى بوابتها الكبرى الحليف الحقيقي ، بل السلطان الحقيقي ، ومعه المجموعة التي تعمل بدأب لتحقيق ذلك .

 الطرف الآخر كان رئيس جمهورية العراق الفخري السيد طالباني الذي قال : إن عملية " تحرير " العراق انقلبت إلى احتلال ..! وهل كانت العملية من الأساس عملية تحرير ، واستطراداً هل كان العراق محتلاً ..؟ أم أنه اليوم فعلاً تحت احتلال متعدد الجنسيات وبزعامة يهودية – صهيونية ، تحكم الدولة الأعظم ... أمريكا ..؟ ليس مهماً أن ينتقد رئيس فخري لا حول له ولا طول الدولة المحتلة ، وتبقى الكلمة لأحرار العراق الذين يتابعون الكفاح على الساحة وبذل الدماء الغالية ، ولا نحسن الظن بالبعض الذين يقتلون أبناء العراق لتشويه صورة المقاومة ، الكل يعرفهم ، والكل يدرك من يقودهم من مستشاري الولايات المتحدة في وزارتي الدفاع والداخلية .. ، الجنرالين المجرمين المتقاعدين .!.

قلنا كيف ..؟ أي لماذا لا ينسحب الأمريكان من ورطتهم في العراق وبسرعة ، وما علاقة ذلك بأمن الكيان الصهيوني ..؟ وأما إذا استذكرنا أقوال بوش وتشيني ورامسفيلد وغيرهم من الصقور يتأكد لنا حتمية العلاقة ، فالجزء الأهم من قرار غزو العراق كان لمصالح الأمن الصهيوني ، والانسحاب اليوم يفتح الباب على مصراعيه لمن امتشقوا السلاح لمحاربة أمريكا فينتقلوا إلى الساحة الأهم في فلسطين ، أو هكذا يدعون وتدعي معهم الإدارة الأمريكية ، وبما أن الإدارة الأمريكية أبلغت الحلفاء في المنطقة من " المعتدلين العرب " بقرار الانسحاب ، فإن التحضيرات يجب أن تتركز على تأمين أمن الكيان الصهيوني وسد ما يعتبرونه الثغرة في جدار هذا الأمن ، وعنيت الجنوب اللبناني إذ أنه الباب الوحيد الذي يأتي منه الريح إضافة إلى الباب الداخلي الفلسطيني ، وهنا لا بد من ترتيبات في لبنان تضع على قمة الهرم أتباع أمريكا مع ضمانات تثبت سيطرتهم المطلقة وتنفيذ القرارات الدولية التي لا تكتسب الأهمية إلا عندما تخدم المصلحة الصهيونية ، والقرار 1701 أهمها في هذا العصر بما يتضمنه من تجريد للمقاومة الحقيقية والفعلية على ساحة الأمة ، وهم إنما يتذرعون بأن حكماً وطنياً في لبنان سيشرع الأبواب أمام انتقال المقاتلين من القاعدة من ساحة العراق التي سيغادرها الأمريكان إلى ساحة الجهاد الأولى في فلسطين رغم شكوكنا وتحفظنا على هذا الادعاء ، وما ذريعة الاستمرار في محاربة " الإرهاب " وضرورة ذلك للحفاظ على أمن أمريكا إلا الواجهة الكاذبة على عادة بوش وحاشيته ، والحقيقة هي الحفاظ على أمن الاستيطان الصهيوني لاستكمال مخططات التهويد وفرض أمر واقع متطور تسقط معه كل القرارات الدولية وقد عودتنا الإدارات الأمريكية المتعاقبة على أنها لا تقيم وزناً لكل القرارات الصادرة قبلاً والتي لا تتناسب ومصالح الكيان الصهيوني ، وإذا كان القادة العرب لم يلتقطوا اللحظة للقفز من سفينة الجمهوريين المخروقة فلأنهم في حقيقة الأمر لا يمتلكون حق اتخاذ القرار حتى ولو كان فيه نجاتهم ...

وهو القفز إلى مركب الديمقراطيين مع تحفظنا على هؤلاء ، ولكن على الأقل لإتقان اللعبة وإفهام الحمار والفيل الأمريكي أننا نتقن القفز من ظهر أعرج إلى ظهر مرتاح وتوجيهه الوجهة الملائمة أو الأقرب إلى وصولنا الهدف ، أو المحطة ولو ما قبل الأخيرة ، وبالتالي كان عليهم اتخاذ قرار مساند للديمقراطيين يطالب بخروج قوات الاحتلال بأسرع وقت أو يحددون الزمن الأقصى لذلك ..!.

أن ينتقد الرئيس مبارك دولة الكيان الصهيوني ويصف سلوك قادتها بالمراوغة ، أمر جديد ، ما هو غير جديد الوصف بحد ذاته ، فمتى كان قادة هذه الدولة أكثر من ذئاب وثعالب ، ومتى تحدثوا أو تعاملوا معه أو مع غيره بصدق أو وفاء ، أو احترموا عهدا أو ميثاقاً ، هل يريد السيد الرئيس أن نذكر له شواهد السند الفقهي لسلوكهم وهو وارد في صلب تعاليمهم وكتبهم ..! أم أنه يعرفه وقرأ عنه الكثير ، الذي ينتظره شعب المنطقة ، والفلسطينيون على وجه الخصوص هو قرار حازم للقيادة المصرية يدعم قرارات وعروض القمم العربية ، قرار يفرض السلام بما يضع في الميزان مقابل رفض الكيان لمثل هذا السلام القائم على العدالة ، النقد اللاذع ليس مجدياً يا سيادة الرئيس ، لأن منع شحنة واحدة من دخول الأراضي المصرية من منتجات العدو ، أو وقف شحنة نفط مصرية أهم بكثير من كل الانتقادات التي يوجهها العالم وليس قائد عربي واحد .

قبل زمن ليس ببعيد ، أجرى الفلسطينيون انتخابات أثبتت أنها الأكثر ديمقراطية ونزاهة في كل المنطقة ، بل أكثر نزاهة من الانتخابات الأمريكية التي يحكمها ويقرر نتائجها الدولار ، وهو ما تفتقر إليه القيادات الفلسطينية ،... العالم كله اعترف بنتائج تلك الانتخابات ، ما عدا " الديمقراطيتين الوحيدتين " المختلفتين عن كل العالم ، .. أمريكا والكيان الصهيوني ، وفي مرحلة لاحقة ، قام الصهاينة باختطاف وزراء ونواب ، بل ورئيس المجلس التشريعي الفلسطيني ، وهي بادرة لم يسبق لدولة خارجة على القانون أن قامت بها بمثل هذا الشكل وهذه الغطرسة ، مع ذلك التزم العالم الصمت ، وربما لدول العالم أعذارها ، أما قادة العالم العربي فقد جاء صمتهم مريباً، كريهاً ، وموقفهم مرفوضاً ، خصوصاً من يمتلك ويقيم علاقات مع هذا العدو المتغطرس .

، أما كان واجباً تجميد العلاقات ، وسحب السفراء والقناصل ( على سبيل التشاور ، ذرا للرماد في العيون )، وأيضاً الممثلين التجاريين ومن في حكمهم ، ووقف الاتصالات لحين الإفراج عن هؤلاء القادة وفرض احترام الديمقراطية الحقيقية ... وهذه طريقة حضارية - دبلوماسية يعمل بها العالم ، وليست كالطريقة التي تفرض بها الولايات المتحدة ديمقراطيتها على الآخرين ،... يبدو أن كلام المسئول التركي في موضع آخر هو الأقرب إلى الحقيقة فليس في مقدور البعض من قيادات العالم العربي نطق كلمة ... لا ، فكيف بطرد سفير أو استدعاء سفير ..! خصوصاً إذا كان وجود الأول على أرض عربية مأجور ومدفوع الثمن سلفاً ..!.

هل تدرك بعض القيادات العربية ، أن صمتها على ممارسات الكيان الصهيوني ، والإدارة الأمريكية - دفـع ، وشجع الكثير من قيادات العالم على رفع الصوت والمطالبة بحزم لإطلاق جنود العدو المعتدين والتغاضي عن ، بل تجاهل وجود الآلاف من المعتقلات والمعتقلين من الفلسطينيين والجوار، ومنهم أطفال في سجون العدو ، وأغلبهم أبرياء دون ذنب ودون وجه حق ، وحتى دون محاكمة أو وجود مبرر لاتهام ... وآخر جوقة المطالبين مسئول الأمن القومي الروسي ..!. الخوف كل الخوف أن يجاريهم في ذلك قادة من عالمنا العربي البعيد نوعاً ما عن موقع الصراع ... ونخلع بذلك آخر ورقة توت تحجب العورات ..! هل حقاً ... ثلاثة أنفار من جنود العدو يساوون آلاف ، ربما عشرات الآلاف من بني .... أخاف القول من بني البشر ، فقد أصبحنا في شك من أمر اعتبارنا هكذا في نظر العالم ، غربه وشرقه على حد سواء ، وخاصة الأمريكي ..!
هل ما زال هناك من يعتقد بأن المبادرة العربية تمتلك أدوات الفعل ، أو حتى رد الفعل ,,..؟؟.