الفرار من العراق
لم يقتصر الدمار والخراب الذي جلبته الحرب في العراق على أهله فحسب، بل تعداهم ليشمل العاملين من جنسيات أخرى. مئات الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في العراق يعيشون حتى اليوم في مخيم للاجئين وسط الصحراء تحت ظروف إنسانية سيئة.

في الوقت الذي تبحث فيه الولايات المتحدة عن استراتيجية جديدة لسياستها في العراق تزداد أعمال العنف ويتفاقم الوضع الأمني في البلاد لتصبح التفجيرات والهجمات التي تسفر عن موت آلاف المدنيين العراقيين جزءا من الحياة اليومية. وفي ظل هذه الأوضاع نجح عدد هائل من العراقيين في عبور الحدود إلى بر الأمان في سوريا، لكن الطريق لم يكن ممهدا للجميع. فقد واجه الفلسطينيون الذين يعيشون في العراق - نظرا لكونهم شعب دون دولة ودون جنسية - طريقا مسدودا بعد وصولهم إلى الحدود. لقد كانت سوريا قبل أشهر قليلة هي البلد المجاور الوحيد الذي فتح ذراعيه لتقبل مجموعة من الفلسطينيين، ولكن هذه اللفتة الإنسانية من قبل الحكومة شجعت مئات الفلسطينيين على الهروب إلى سوريا - الأمر الذي أجبر دمشق على إغلاق الحدود أمامهم.

"الآن حان الوقت لدفع الثمن"

"لا نعلم ماذا سيكون مصيرنا"انتهى المطاف باللاجئين الفلسطينيين في معسكر في وسط الصحراء بين العراق وسوريا يضم 350 لاجئا منهم 130 طفلا، وهو المأوى الوحيد لهم منذ ستة أشهر، تعيش فيه الأسر في خيام ممزقة تحت ظروف صحية سيئة ونقص في الاحتياجات الأساسية. فقد قلبت الحرب حياتهم رأسا على عقب على حد تعبير سميرة التي تمكث مع عائلتها في معسكر اللاجئين. فتروي أنهم كانوا يعيشون في بيت كبير مجهز بأحدث الأجهزة المنزلية وكان زوجها يعمل في شركة للاتصالات، وكانت الحياة مستقرة والأمور مستتبة إلى أن اندلعت الحرب وانقلبت الأوضاع.

لقد كان وضع الفلسطينيين في العراق جيدا نسبيا تحت حكم صدام حسين، إذ سمح لهم بالدراسة والعمل وتم علاوة على ذلك دعمهم من قبل الحكومة. "والآن حان الوقت لدفع الثمن"، هذا هو الشعار الذي ترفعه الميليشات المسلحة والتي تسيطر على مناطق واسعة من بغداد. فهي عازمة على التخلص من جميع الفلسطينيين في العراق، وتقوم في سبيل ذلك بإرسال خطابات تهديد تحمل عبارات مثل: "ارحلوا من هنا الآن وإلا لقيتم حتفكم عما قريب" أو تقوم بإجراء تهديدات هاتفية وفي أحيان كثيرة يهجمون على الفلسطينيين في الشوارع ويجبرونهم على الرحيل تحت تهديد السلاح. فكان من طبيعي أن يقوم المئات من الفلسطينيين بحزم أمتعتهم للفرار من العراق.

"نحن أحق بدخول سوريا"

معسكر اللاجئين يقع على طريق شاحنات المعونات لكنه لا يحصل على الكثير منها.كل بضعة دقائق تمر على معسكر اللاجئين عربات محملة بأسر عراقية قد جمعت أغراضها متجهة إلى سوريا. منذ بداية الحرب وحتى الآن بلغ عدد اللاجئين العراقيين في سوريا حوالي 000 700 لاجئ، وبالرغم من ذلك لا تزال أبواب سوريا مفتوحة لهم مما يثير استياء الفلسطينيين الذين يمكثون في المعسكر. فتقول واحدة من اللاجئين: "نحن أحق بدخول سوريا، العراقيون لديهم دولة يستطيعون العودة إليها ولكننا نجلس هنا مع أطفالنا ولا نعلم ماذا سيكون مصيرنا. ينبغي على السوريين أن يسمحوا لنا على الأقل بدخول الأراضي السورية حتى نكون في أمان".

ولكن سوريا تتخذ موقفا صارما في هذا الشأن فالأمر متعلق بالمبدأ، فمنذ عشرات السنوات وسوريا تعتبر ملاذا للأرمن، للفلسطينيين، للعراقيين وأخيرا لمئات الآلاف من اللبنانيين. وترى الحكومة أنها لا تجني من وراء ذلك أي تقدير من المجتمع الدولي بل تظل دائما محلا للنقد. ولكن لورنس يولس، المسئول الأممي عن المعسكر، مدح استراتيجية سوريا في التعامل مع اللاجئين وحث المجتمع الدولي على المساهمة في تحسين الأوضاع، ويقول يولس في هذا السياق: "إن الأمر يتعلق بعدد قليل من اللاجئين. فإن عدد الفلسطينيين الموجودين في العراق يتراوح بين عشرة آلاف وعشرين ألفا. إذا تم تقسيمهم على عدد من الدول سنكون قد وجدنا حلا للمشكلة".

"نعيش وكأننا في العصر الحجري"

يعتمد معسكر اللاجئين في الوقت الحالي على التبرعات القادمة من سوريا، إذ يقوم الفلسطينيون الذين يعيشون بدمشق بتزويد إخوانهم في المعسكر بالخضروات واللحوم والمنتجات الصحية. وبمناسبة عيد الفطر قاموا كذلك بجمع الألعاب والحلوى للأطفال. ويقف والد لثلاثة أطفال منتظرا دوره للحصول على نصيب أولاده من الحلوى، ويقول والدموع في عينيه: "ابني هذا ولد ذكي، لقد كنا نمتلك كمبيوتر في بغداد. ولكننا الآن نعيش وكأننا في العصر الحجري".

ويقول المتحدث باسم الفلسطينيين:"نحن لا نريد إلا مكان نستطيع أن نعيش فيه في أمان، ليس بالضرورة أن يكون هذا المكان هو سوريا. فهناك السلطة الفلسطينية، والعالم العربي، والمجتمع الدولي، ومنظمات حقوق الإنسان،... أين كل ذلك؟ نحن لا نريد تبرعات، نريد حلا".