أثارت استقالة وزراء التيار الصدري من الحكومة العراقية عددا من التساؤلات حول سيناريوهات المشهد السياسي العراقي. موقعنا استطلع رأي مدير مركز بحوث العالم العربي في جامعة ماينز الألمانية حول دلالات هذه الاستقالة وتداعياتها.

في الوقت الذي أكد فيه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن انسحاب وزراء التيار الصدري الستة من حكومته لن يضعفها، مبررا ذلك بأن انسحابهم سيتيح له الفرصة لتعيين عدد من الوزراء المستقلين والخبراء، فإن الكثير من الخبراء والمحللين يتفقون على أن المشكلة الأكبر التي يثيرها خروج هؤلاء الوزراء تكمن فيما إذا كان الصدر سيشعر بعد أن نأى بنفسه عن الحكومة بأنه غير ملزم أيضا بكبح جماح ميليشيا جيش المهدي التابع له.

وانسحب وزراء التيار الصدري احتجاجا على رفض المالكي تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من البلاد. ويضم التيار الصدري الشيعي في الحكومة ستة وزراء ويشغل أيضا ربع مقاعد الائتلاف العراقي الموحد في البرلمان الذي ينتمي إليه المالكي وهو تحالف لأحزاب شيعية إسلامية. وتكشف هذه الخطوة عن وجود انقسامات داخل الائتلاف الموحد الذي يسعى للظهور كجبهة موحدة بالرغم من التوترات الكامنة تحت السطح.

"حكومة المالكي ضعيفة أصلا"

وفي مقابلة مع موقعنا قال البروفسور جونتر ماير مدير مركز بحوث العالم العربي في جامعة ماينز الألمانية بأن استقالة وزراء التيار الصدري من حكومة المالكي لن يكون له تأثير يذكر على عمل هذه الحكومة "لأنها في كل الأحوال عاجزة عن القيام بمهامها". ويستبعد ماير أن يكون مقتدى الصدر يهدف من خطوته هذه إلى ابتزاز الحكومتين العراقية الأمريكية، والسبب في نظره أن مثل هذا الابتزاز ليس ممكنا من الناحية العملية، فقدرة الحكومة العراقية على المناورة أصلا ضعيفة للغاية، كما أن مطالب الصدر التي برر بها سحب وزرائه بعدم الاستجابة لها ليست جديدة، كما أوضح ماير. وأضاف أن هذه الخطوة من قبل الصدر ليست جديدة وإنما هي استمرار لمحاولات سابقة.

ويشير الخبير الألماني أيضا إلى أن مصير حكومة المالكي ليس مرتبطا بوجود هؤلاء الوزراء، فحتى في حالة افتراض انسحاب كتلة التيار الصدري من البرلمان العراقي، فإن مثل هذه الخطوة لن يكون لها تأثير كبير أيضا. ويبرر ماير ذلك بالقول بأن "البرلمان العراقي أصلا لم يصدر قرارات فعالة منذ أشهر"، كما أن الأغلبية التي يمتلكها "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" في البرلمان وكذا دعم الحزبين الكرديين يضمن للحكومة الحالية الأغلبية التي تحتاجها، مما يجعلها ليست تحت ضغط الحاجة للكتلة الصدرية، وهذا يعني ضمان عدم سقوطها وبالتالي تنتفي أهمية عاملي الضغط والابتزاز من قبل مقتدى الصدر.

"سيناريوهات مختلفة منها ارتفاع وتيرة العنف"

وفي معرض جواب الخبير الألماني على سؤال لموقعنا حول إمكانية عودة الصدر إلى القتال بعد انسحابه من الحكومة، قال بأن هذا "غير مستبعد"، لكنه أشار إلى وجود سيناريوهات مختلفة لما قد تؤول إليه الأوضاع في بلاد الرافدين. فحسب قراءة الخبير الألماني، فإن ارتفاع وتيرة العنف في هذا البلد بشكل أكبر مما هو عليه الحال هو أحد السيناريوهات المحتملة، متوقعا أن الإدارة الأمريكية لن تحقق نجاحا من خلال خطتها الأمنية الحالية قائلا: "مثل هذه الخطط سبق وأن ثبت فشلها أثناء حرب فيتنام، وهنا سوف تفشل أيضا". واعتبر ماير في الوقت ذاته بأن ميليشيا الصدر لن تكون الفاعل الرئيس في حلقة العنف التي من المتوقع أن تزداد في العراق، إلا أنها لن تكون بعيدة عن الأحداث وسوف تكون بشكل أو بآخر جزءا من دائرة العنف هذه.

ويخلص الخبير الألماني إلى القول بأنه لا يتوقع أن تغادر حكومة المالكي "المنطقة الخضراء" على خلفية انسحاب وزراء التيار الصدري من الحكومة أو حتى إذا ما انسحبت كتلة الصدريين من البرلمان، مشيرا في هذا السياق إلى أن احد أهم عوامل استمرار الحكومة العراقية الحالية، إلى جانب الأغلبية البرلمانية التي تمتلكها، هو ارتباطها الوثيق بالإدارة الأمريكية التي بدورها تحتاج لهذه الحكومة في الوقت الحالي.