تطور خطير يشهده العراق الآن‏,‏ وتكرس نتائجه التقسيم الطائفي في البلاد‏.‏ فقد أكد قادة عسكريون أمريكيون أن كتيبة أمريكية تضطلع بمهمة تشييد جدار مسلح لعزل منطقة الأعظمية‏,‏ ذات الكثافة السكانية السنية في بغداد ـ وقد بدأت عملية بناء الجدار في‏10‏ أبري‏.‏ ومن المخطط أن يبلغ طول الجدار خمسة كيلو مترات‏,‏ وأن يصل ارتفاعه إلي نحو ثلاثة أمتار ونصف الم

ويروج العسكريون الأمريكيون أن الجدار الذي من المتوقع الانتهاء من تشييده في نهاية الشهر الحالي‏,‏ سيحد من عمليات الانتحاريين وفرق الموت والميلشيات التابعة للأحزاب ذات التوجه الطائفي‏.‏ ويقول عسكري أمريكي إن الجدار هو أحد الاجزاء المركزية في استراتيجية ج لقوات التحالف والقوات العراقية لكسر حلقة العنف‏.‏ والمثير للانتباه أن جنود الاحتلال الأمريكي يطلقون علي الجدار الطائفي سور الأعظمية العظيم

ومما لا جدال فيه أن سور الأعظمية ينطوي تشييده في هذا السياق علي مخاطر فادحة بالنسبة لمستقبل العراق‏.‏ ذلك أنه أول سور يستهدف تقسيم بغداد طائفيا‏,‏ وقد سبق لقوات الاحتلال الأمريكية أن حاولت عزل مدينة سامراء بأكوام من الرمال عام‏2005,‏ كما أقدمت علي محماثلة لعزل تلعفر‏..

ومن الجدير بالذكر أن فكرة بناء الأسوار العازلة هي أساسا فكرة استعمارية وعنصرية نفذتها في التاريخ الحديث حكومة الأقلية العنصرية البيضاء في جنوب افريقيا عندما اقامت كانتونات لعزل الأغلبية الافريقية‏..‏ ولكن الكانتونات العنصرية تقوضت بانهيار حكم الأقلية العرية البيضاء‏..‏ وقد استعارت قوات الاحتلال الإسرائيلي هذه الفكرة العنصرية وطبقتها بإقامة جدار الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة

وأيا ما يكن الأمر‏,‏ فإن بناء سور الأعظمية يشير إلي عدة حقائق مهمة أبرزها
أولا‏:‏ إن الخطة الأمنية لفرض القانون في بغداد ـ تتعثر ـ ذلك أن تعقيدات الأزمة العراقية منذ الغزو والاحتلال الأمريكي للبلاد عام‏2003‏ تشير إلي أن الحل العسكري لم يحقق نجاحات في ظل غياب عملية إعادة إعمار العراق‏,‏ وانتشال المواطنين من براثن التدهور الي الذي تعاني منه البلاد‏.
ثانيا‏:‏ إن أي خطط استراتيجية لاتدخل في اعتبارها تحقيق المصالحة الوطنية من المقدر لها أن تفشل‏..‏ ولعل هذا المعني ما فطن إليه روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي‏,‏ فقد ألح علي أهمية المصالحة الوطنية إبان زيارته لبغداد‏.‏ وقال جيتس في ختام لقائه مع نوري رئيس وزراء العراق إن الأمر يقتضي مد اليد إلي السنة‏.
ولذلك التقي الوزير الأمريكي مع مجلس الرئاسة العراقي لبحث أهمية إنجاح المصالحة الوطنية‏.‏ كما شمل البحث أبعاد مشروع قانون المساءلة والعدالة الذي من شأنه تعزيز المصالحة ويتضمن المشروع إعادة صياغة قانون اجتثاث حزب البعث في إطار عملية المصالحة

وهنا تتعين الإشارة إلي أن ثمة محاولة أمريكية تأخرت كثيرا‏,‏ ولم يعد ممكنا الرهان علي إمكان نجاحها‏,‏ لمراجعة الاستراتيجية الخاطئة التي طبقتها واشنطن في العراق عقب الغزو والاحتلال ونجم عنها هذا التردي الأمني والاقتصادي الخطير الذي تعاني منه البلاد‏,‏ الجميع أن بول بريمير الحاكم العسكري الأمريكي السابق في العراق كان هو من نفذ هذه الاستراتيجية الخاطئة التي استهدفت اجتتثات البعث‏,‏ وإقصاء السنة من المعادلة السياسية مما هوي بالعراق وأجج دوامات العنف والدم في شوارعه وحتي تتم المصالحة الوطنية‏,‏ فإن سور ظمية لن يجدي نفعا‏..‏ والأرجح أنه سيصبح هدفا لانطلاق موجات عارمة جديدة من العنف‏

مصادر
الأهرام (مصر)