يبدأ اليوم الامين العام للأمم المتحدة بان كي ــ مون زيارته الحساسة للعاصمة السورية، ‏حيث تتجه الانظار الى ما يمكن ان ينتج عنها من معطيات تتعلق بالموقف السوري من المحكمة ‏ذات الطابع الدولي، فدمشق لطالما عبرت علنا وابلغت الموفدين العرب والدوليين حقيقة ‏هوها ازاء التسييس المحتمل للمحكمة، بحيث يجري استغلالها لضرورات سياسية تصل في النهاية ‏الى ضرب موقف سوريا وموقعها الاقليمي كعنصر استقرار ومواجهة في النزاع العربي ــ ‏الاسرائيلي.

ويأتي تزويد المستشار القانوني لبيان الامين العام للمنظمة الدولية بالملخص عن محادثاته ‏في لبنان، ليزيد من وضوح الصورة التي ساهم ايضا نائب وزير الخارجية الروسي الكسندر ‏سلطانوف في بلورتها، وخلاصتها ان لا قبول بالمحكمة الدولية كما هي مطروحة، لا من الجانب ‏وري ولا من جانب حلفائها في لبنان، وبالتالي لا ينتظر بان كي مون ــ اي تغيّر ملموس ‏من قبل سوريا، بحيث ترجح الاوساط السياسية المتابعة ان تكون زيارة بان هي الاستطلاع الاخير ‏قبل الاتجاه نحو الخيار التنفيذي، اي اقرار المحكمة وفقا للفصل السابع من ميثاق الامملمتحدة بدعم او بغض نظر على الاقل من الجانب الروسي الذي كان المحور المعارض للمحكمة ‏يراهن على وقوفه في مواجهتها باستعمال حق الفيتو خلال التصويت في مجلس الامن.‏ماذا يعني التحول الدولي وبسكوت عربي او بتشجيع ضمني على سلوك خيار المواجهة تحت شعار ‏الفصل السابع؟ تقول مصادر ديبلوماسية في بيروت ان على المحور المعارض ومع سوريا ان يستعد لمرحلة جديدة ‏من العلاقات الدولية. فالحليف الروسي ارسل اشارات الى طهران يبلغها فيها انه غير مستعد ‏لتغطية المشروع النووي، ثم انتقل ليبلغ دمشق وحلفاء سوريا وايران في لبنان انه ليس علاستعداد للمضي في عرقلة قيام المحكمة الى ما لا نهاية، فهو مهيأ في الملفين الايراني ‏واللبناني للعب دور الوساطة والاستيعاب الى الحد الاقصى، لكن الظروف التي كانت قائمة خلال ‏الحرب الباردة وحتى في المرحلة التي سبقت 11 أيلول 2001 قد تغيرت، ونشأت مجموعة معوقاومصالح تستدعي من موسكو انتهاج سبيل المهادنة مع الولايات المتحدة والحلفاء الاوروبيين في ‏ظل متاعب سياسية واقتصادية روسية وفي ظل اضطرابات تعمل روسيا على المقايضة عليها بدءا ‏من ملف الشيشان الى ملف كوسوفو، اضافة الى الازمات الاقليمية كملف العراق، وكانت لافت‏زيارة الرئيس فلاديمير بوتين للسعودية وتوقيع اتفاقات اقتصادية معها هي الاولى من نوعها ‏منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. واما في الجانب العربي، فان الجامعة العربية في صدد فتح مرحلة جديدة من الصراع العربي ‏ــ الاسرائيلي قد لا تكون قادرة خلالها على الدخول في مواجهات مكلفة اقليميا ودولياً، ‏خصوصا ان معظم القوى العربية هي في اساس الضغط الذي يمارس على سوريا في لبنان، وبالتالي ن الجو العربي ينقاد في اتجاه معاكس للمصلحة السورية، وقد كان لافتا خلال القمة الاخيرة ‏في الرياض ان درجة التقارب بين العاصمتين السورية والسعودية بقيت محدودة واقتصرت على ‏كسر الجليد في الشكليات، لكنها لم تحقق خرقا في الملفات الشائكة. والدليل على ذلك ان درج‏التصعيد في لبنان كانت عالية جدا بعد القمة، وهي مرشحة للمزيد.‏وترى المصادر الديبلوماسية ان الواقع الجديد الذي يستولده الضغط العربي والدولي ضد ‏المحور السوري يحتم على هذا المحور حسم التوجهات للمرحلة المقبلة:

المواجهة ام الاستيعاب، ‏وفي ظل تفرغ ايران لمتابعة ملفها النووي تبدو دمشق امام استحقاق الانزلاق العربي نحو ‏ابيع ومحاولات الاضعاف ونزع اوراق القوة من يدها، ولا بد من ان تتضح قريبا ملامح ‏التعاطي السوري مع هذه المرحلة.‏اما في لبنان، وليس بعيدا عن التأثيرات الاقليمية والدولية المتناقضة، فالغالبية تشعر ‏بانها حققت نقطة مهمة في صراعها مع المعارضة، وهي تطمح الى ان يترك المكسب الذي هي على ‏وشك تحقيقه انعكاساته على مجمل الملفات المطروحة من الحكومة الى الانتخابات النيابية ‏وئاسية المقبلة، وطبعا في شكل اساسي على مسائل سلاح «حزب الله» والسلاح الفلسطيني خارج ‏المخيمات، وداخلها «وبرمجة» العلاقات مع سوريا، بدءا بالملف المثار حول «تعطيل» مزارع ‏شبعا.

وحتى الان، اظهرت قوى المعارضة ردودا متمايزة حول الملفات المطروحة، فالعماد ميشال عون ‏يبدو في صدد دراسة متأنية لمواجهة الملفات كل على حدة، واما «حزب الله» فيذهب الى التلويح ‏بان سلوك خيار الفصل السابع يهدد بتفجير البلد فيما يبقى الرئيس نبيه بري على ‏‏«ص»، لان الوساطات العربية والدولية تطلب منه التزام «شعرة الحوار» الضرورية عند ‏الحاجة، سواء في السعودية او في سويسرا او في مجلس النواب، وقد لا يكون مناسباً لا للمعارضة ‏ولا لمصلحة البلد فقدان المرجعية الراعية للحوار

مصادر
الديار (لبنان)