مرت خمس سنوات ونصف على أحداث أيلول في الولايات المتحدة الأميركية ، ولا تزال ميزانية "الحرب على الارهاب" ، المالية والبشرية ، مخيبة للآمال ، بل وحتى غير معروفة النهاية. الشرق الأوسط والمغرب العربي يغليان ، الهجمات نشطت من جديد في أفغانستان التي شهدت عودة قادة طالبان إلى الواجهة.
العراق يقف على أعتاب مأساة انسانية ، والحرب الأهلية بدأت فيه عمليا. لبنان ، وبعد أن تجاوز "أمطار الصيف" ، يعيش هو الآخر حربا أهلية صامتة. الباكستان والصومال ومناطق شاسعة من الصحارى في المغرب العربي تعيش وضعا إرهابيا متجددا. مواجهات وأحداث دامية تعصف بالمنطقة وتؤمن بالحرب كحل ، وهو واقع لم تشهد مثله المنطقة من قبل.

المشكلة تكمن في أن أغلب المتحكمين بزمام تلك المواجهات هي حركات لا ترتبط بالحكومات. الجماعات المسلحة في كل من العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان تبحث عن دعم مادي وفكر يتناسب مع ما جاءت به القاعدة. أغلب تلك الحركات تملك أسلحة وعتاد بكميات كبيرة وغير متوقعة ، كما لاحظنا في حرب لبنان الأخيرة. ولم يكن مبدأ "صوملة" الشرق الأوسط خيارا متاحا قبل الآن لإختلاف العادات والتقاليد والنظام العشائري ، لكن المواجهة مستمرة بين الاطراف مع صعوبة ايجاد مخرج من تلك الأزمات.

كل تلك المعطيات تستحق المزيد من الجدية والاهتمام خاصة لأنها تدور في منطقة مغلقة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. تأخر التوصل إلى تسوية لتلك المشاكل سيؤدي بلا شك إلى تعقيد الأمور والوصول إلى نقطة "اللاحل". لم يشهد العالم تسوية فعالة وحلا جادا لقضية الانقسامات في أي دولة منذ سقوط جدار برلين. التأخر في ايجاد الحلول يتسبب بالمزيد من الاحباط للشباب العربي الذي لا يجد بديلا للهجرة.
"نحن أو دكتاتورية الاسلام" هو مبدأ شاع العمل به في المنطقة مؤخرا ، وأدى ذلك كله إلى إضعاف حركات الإصلاح والفكر الليبرالي المتحرر. وطبعا في أجواء مماثلة ، يغيب فيها الجهد الجماعي ، يزدهر فكر القاعدة يتلقى رواجا كبيرا بين الافراد.

المطلوب هو الحوار مع الآخر ، حوار بناء مع القوى التي تؤمن بالإسلام السياسي. وما تجربة الإستيطان في فلسطين وسياسة نشر المستعمرات سوى دليل واضح على فشل الجهود الأحادية الجانب. يجب أن ندرس بعناية أهداف كل حركة سياسية ووجهة نظرها وميلها إلى العدوانية وعلاقتها بالسلطة الحاكمة.

يجب أن نتخذ خطوات جدية لحل الصراعات القائمة والعمل على إرساء الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط. مفتاح ذلك كله يكون بالتوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية. إذا ما كنا نفكر حقا بأوروبا أكبر وأقوى ، بوجود سبعة وعشرين عضوا في الاتحاد ، يتوجب علينا إعادة النظر بعلاقاتنا مع الدول التي تربطنا بها حدود الجنوب ، بالاضافة إلى توحيد الجهود وتنسيقها مع الصين وروسيا والهند وأميركا التي نختلف معها بالرأي في الغالب.

حل القضية الفلسطينية سيأتي بثلاث نتائج مهمة للغاية: أولا حصر الإختلاف حول ملكية الأرض وتناسي الخلاف الديني والطائفي ، ثانيا التفريق بين مقاومة الاحتلال ومحاربة إسرائيل في الوقت الذي يدعو فيه الطرفان إلى حل الدولتين المتجاورتين ، وأخيرا نزع فتيل الفتنة والتمييز بين معارضة السياسة الإسرائيلية و"معاداة السامية".

في العادة ، يكون لفرنسا حضور دبلوماسي وسياسي مهم في المنطقة. لكن اتخاذ موقف عملي سيضفي على ذلك الحضور صفة الجدية والفائدة. فرنسا تملك مقومات النجاح عند التدخل ، وبقي عليها أن تمتلك الإرادة للتحرك. ولكي نتجنب تصنيف العام 2007 كعام مخاطر ونكبات سياسية ، يتوجب علينا اعتباره عام الخيارات ونتحرك فورا لتقديمها. يجب أن يقلق الفرنسيون على سياستهم الخارجية بقدر الاهتمام بالسياسة الداخلية.. خاصة عند اختيار الرئيس المقبل.

مصادر
الدستور (الأردن)