أحمدي نجاد في الإمارات العربية المتحدة، هي الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني إلى هذه الدولة منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، اختارت طهران هذه المرة الدخول إلى الخليج عبر البوابة الإماراتية الصعبة، بعد دخولها الموفق إليه عبر البوابة السعودية في شهر آذار الماضي.

الحدث الذي وُصف بالتاريخي، يُخرج الأمور، دفعة واحدة، عن سياقها الرتيب في تاريخ العلاقات الإيرانية ـــــ الخليجية. ونجاح الجانبين بالارتقاء في علاقاتهما السياسية إلى هذا المستوى، قد لا يشير إلى نجاح دبلوماسي بمقدار ما ينبئ بخطورة الأوضاع التي تخيّم على المنطقة، ما استدعى تقارباً متبادلاً والقفز فوق الملفات الخلافية، وفي مقدمها ملف الجزر الثلاث، إلى مرحلة متقدمة من التنسيق والتواصل.

في سياق متصل، ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي، يغادر الإمارات قبل يوم من وصول أحمدي نجاد إليها، في إطار جولة له تشمل العراق ودول الرباعية العربية. الجولة هذه ليست إلا من قبيل تدارك جملة من الأخطاء والإخفاقات التي مُنيت بها السياسة الأميركية في المنطقة.

الإدارة الأميركية ليست راضية عن جولات رايس السابقة فأوفدت تشيني هذه المرة ليدخل الى المنطقة عبر جزرة التسوية السلمية في فلسطين وعصا الخطر النووي الإيراني، فيما همّه الأساسي الخروج من المأزق العراقي.

ثمة ما يشبه السباق بين طهران وواشنطن في الإقليم. إذ بينما تحاول طهران استمالة جيرانها الخليجيين إلى جانبها انطلاقاً من الرفض التام لأي حرب من الممكن أن تشنّها الإدارة الأميركية في المنطقة، تذهب هذه الأخيرة الى دفع هؤلاء للاصطفاف خلفها مجدداً استعداداً للمرحلة المقبلة سواء أكانت الخيارات المطروحة إذّاك دبلوماسية أم عسكرية.

في لقاء هو الأول من نوعه، سيجتمع الإيرانيون والأميركيون في بغداد خلال الأسابيع القليلة المقبلة، سيجدد الأميركيون مطالبهم القديمة بوقف التدخل الإيراني في العراق والكفّ عن دعم بعض فصائل المقاومة هناك، بينما سيوسّع الإيرانيون هذه المرة دائرة مطالبهم لتشمل إنهاء الوجود الأميركي في المنطقة، إلى جانب إنهاء الاحتلال للعراق، في محاولة لإدراج الأمرين في سياق واحد وربطهما بالتوتر الإقليمي المشهود. وهو ما دفع الرئيس أحمدي نجاد الى انتهاز فرصة زيارته الإمارات لتأكيد ضرورة خروج القوات الأجنبية من المنطقة والاستعاضة عنها بمنظومة أمن إقليمية.

إذاً أمام الإيرانيين والأميركيين مواجهتان، الأولى في مجلس الأمن أواخر الشهر الحالي على خلفية الملف النووي حيث تمسك الإدارة الأميركية بهذا الملف ورقة ضغط في وجه إيران، وتراهن على المزيد من القرارات الدولية المحرجة لإيرانيين. والثانية في بغداد، على مستوى السفراء، خلال الأسابيع المقبلة، حيث يراقب الإيرانيون غرق الأميركيين في المستنقع العراقي في وقت يستطيعون فيه مدّ يد المساعدة لهم، والمشهد واضح أمامهم بأن المصير الأميركي في العراق يتجه نحو المزيد من التأزيم.

إيران لن تتراجع عن مشروعها النووي مهما تكن الضغوط التي تُمارس عليها دولياً، وأميركا لن تبادر الى الخروج الفوري من العراق، مهما تعمّق مأزقها فيه. وإذا كان ثمة اعتبارات موضوعية تحول دون المواجهة العسكرية، قريباً، بين الجانبين، فذلك لا يعني أن البديل هو التفاهم والتسوية. سيظل الجانبان في حالة عضّ أصابع بانتظار من سيصرخ أولاً.

لقاء بغداد المرتقب ليس سوى مواجهة بديلة من الحرب المتعذّرة والسلام المفقود.

قد يقبل الإيرانيون البحث في كيفية توفير خروج مشرّف للأميركيين من العراق، وهذا جلّ ما يستطيعون تقديمه، لكن هل يقبل الأميركيون بالتراجع عن مواقفهم إزاء ملف إيران النووي، وخاصة أن هذا الملف قد لا يكون بالنسبة إليهم أقل أهمية وخطورة من مشاكلهم في العراق.