بينما يتحرك ملف المحكمة ذات الطابع الدولي بقوة في نيويورك معطوفاً على اشارة روسية بالغة الدلالة من بيروت الى تأييد موسكو ما يدور في مجلس الامن على هذا الصعيد انطلاقا من "احترام كامل "للطلب اللبناني، قفز امس الى الواجهة ملف بنك المدينة، على خلفية تبييض الاموال، علما ان هذا الملف كان موضع اهتمام المحقق الدولي سيرج برامرتس الذي انتقل من اجله الى البرازيل للاستماع الى رنا قليلات احد الاشخاص الرئيسيين فيه، في شأن امكان استعمال اموال من المصرف في التحضير لاغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد ورد ذكر لهذا الامر في تقرير سابق لبرامرتس.

بنك المدينة

فبعد اربع سنوات من التلويح بتحريك ملف تبييض الاموال في بنك المدينة وبنك الاعتماد المتحد، سجلت امس خطوة لافتة ومتقدمة على هذا الصعيد، اذ فتح القضاء ملف تبييض الاموال واودع النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي جوزف معماري بعد ظهر أمس الدفعة الاولى من تقارير الخبراء للاطلاع واجراء المقتضى.

وقالت مصادر قضائية لـ"النهار" ان الدفعة الاولى من تقارير الخبراء كونت ملفا كبيرا تضمن وثائق ومستندات. وباشر القاضي معماري الاطلاع على مضمونه ودرسه تمهيدا لاتخاذ قراره بالادعاء. واوضحت ان المجموعة الاولى من التقارير تناولت 11 اسما يشتبه في ضلوع اصحابها في تبييض الاموال وسيتخذ النائب العام الاستئنافي في بيروت قراره في شأنهم يعده الاثنين تبعا للوقت الذي يستغرقه الاطلاع على الملف المحال على الادعاء العام نظرا الى كبر حجمه.

والاسماء المشار اليها هي: عدنان ابو عياش وشقيقه ابرهيم ابو عياش ونجل الاخير وسام ابرهيم ابو عياش، رنا قليلات وشقيقاها طه وباسل قليلات، يوسف الهشي مدير المحاسبة في المصرف، كاظم بهلوان مدير المعلوماتية، فؤاد قهوجي معقب المعاملات في مصلحة الميكانيك ورينه كعدو معوض.

وقالت المصادر ان دفعات اخرى، تشمل شخصيات لبنانية وغير لبنانية، اي سورية، سترد تباعا الى القضاء من لجنة الخبراء الاختصاصيين وستتضمن لواحق كثيرة من التقارير التي ستحال على النيابة العامة الاستئنافية في بيروت لمتابعتها جزائيا. واكدت "ان هذا الملف بدأ وسيتابع"، مشيرة الى ان لا وقت محددا لانتهاء ورود دفعات التقارير، بحيث تجمع تلك التي سترد وترسل الى النيابة العامة الاستئنافية لاجراء المقتضى بعد تحديدها المسؤولين في مجال التبييض وتتخذ موقفا في ضوء تقارير الخبراء.

واضافت ان التحقيق سيتناول جرم التبييض حصرا ولا علاقة لهذا الملف بالدعاوى المتفرعة من مصرفي المدينة والاعتماد المتحد التي يشهدها القضاء منذ الازمة التي نشأت فيهما عام 2003. وكذلك لا علاقة له بمساهمين وغير ذلك.

وذكرت ان لا موقوفين حتى الآن ولم تتخذ اي تدابير من حيث صدور استنابات قضائية أو بلاغات بحث او تحر باعتبار ان التحقيق مع المعنيين سيبدأ في المرحلة التالية لقرار النيابة العامة الاستئنافية.

ويذكر ان القاضي ميرزا كان كلف قبل نحو خمسة اشهر لجنة من الخبراء الاختصاصيين التدقيق في سجلات مصرفي المدينة والاعتماد المتحد والاطلاع على التحويلات المالية وحركة سير الاموال فيهما حتى تاريخ ازمتهما التي اعقبها حل قضية المودعين بعد التنازل عن عقارات عدة عائدة الى اصحاب المصرف عدنان ابو عياش وشقيقه ابرهيم ورنا قليلات وقريبين منها.

السنيورة

على صعيد آخر، تابع رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة تطورات ملف المحكمة ذات الطابع الدولي في ضوء مشروع القرار الذي وزعته فجر امس الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. فأجرى اتصالا لهذه الغاية بوزير الخارجية الايطالي ماسيمو داليما، كما اجتمع مع وزير العدل شارل رزق.

وأفادت أوساطه ان المعطيات "ايجابية" من حيث صدور قرار عن مجلس الامن في شأن المحكمة.

متري

ولمواكبة التطورات الجارية في نيويورك، توجه امس وفد الى الامم المتحدة في عداده القاضيان شكري صادر ورالف رياشي اللذان شاركا في اعداد الاتفاق مع الامم المتحدة لانشاء المحكمة. وسيرئس هذا الوفد وزير الخارجية بالوكالة طارق متري الذي سيغادر بيروت الاربعاء المقبل. ويوحي ذهاب الوفد الرسمي الى نيويورك بأن قرار مجلس الامن بانشاء المحكمة قد يصدر في نهاية الاسبوع المقبل او مطلع الاسبوع الذي سيليه.

قريطم

وفي تطور لافت يتصل بالموقف الروسي من موضوع المحكمة، أعلن السفير سيرغي بوكين لدى مرافقته امس نائب رئيس المجلس الفيديرالي الروسي الكسندر تورشين للقاء رئيس "كتلة المستقبل" النائب سعد الحريري، ان مشروع المحكمة "مبني على رسالة رسمية من رئيس الحكومة اللبنانية... ونحن في روسيا كدولة صديقة للبنان سنتعامل مع هذه الرسالة بكل احترام".

وقال النائب الحريري: "نحن اللبنانيين يهمنا الاتكون المحكمة مسيسة... ولا نرضى بأن نظلم أحدا".

المشروع

ويشير مشروع القرار الخاص بالمحكمة والذي تنشر "النهار" نصه اليوم (ص3) ان مجلس الامن "يؤكد من جديد ان التفجير الارهابي في 14 شباط 2005 وكذلك الهجمات التي وقعت في لبنان منذ تشرين الاول 2004... وتداعياتها تشكل تهديداً للسلام والامن الدوليين، لذا "يقرر بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ان يضع موضع التنفيذ عند اعتماد هذا القرار "أحكام الاتفاق المرفق حول انشاء المحكمة الخاصة بلبنان الموقع من الامم المتحدة والحكومة اللبنانية بما في ذلك النظام الاساسي الملحق به". ويطلب من الامين العام بان كي – مون "أن يتخذ الخطوات والاجراءات الضرورية، بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية عند الحاجة لانشاء المحكمة الخاصة في الوقت المناسب، وان يرفع تقريرا الى المجلس حول جهوده في غضون تسعين يوما، ثم بصورة دورية".

نيويورك

وفي نيويورك (و ص ف)، توقع المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة جان – مارك دو لا سابليير ان تقر الدول الـ 15 الاعضاء في المجلس النص "قبل نهاية الشهر الجاري (...) وهو يهدف الى مساعدة اللبنانيين على ايجاد مخرج من المأزق الحالي".

وعقد مندوبو الدول الدائمة العضوية في المجلس اجتماعاً مغلقاً الخميس لاجراء مناقشة أولى للنص الذي نقل الى الدول العشر الاخرى غير الدائمة العضوية.

وقال مصدر ديبلوماسي ان المجلس "يختار بذلك الحل الأبسط"، موضحاً انه "لا يشرف على المحكمة كما حصل مع محكمتي رواندا ويوغوسلافيا السابقة، بل يكتفي بايجاد حل لوضع". وذكر بان اكثرية من النواب اللبنانيين ورئيس الوزراء طلبوا من الامم المتحدة رسمياً اتخاذ "قرار ملزم"، في رسائل بعثوا بها الى الأمين العام للأمم المتحدة. وأضاف: "لا يمكن ان نقبل بألا تنشأ محكمة. انها مسألة تتعلق بالافلات من العقاب".

وقال المندوب الاميركي زلماي خليل زاد إن مشروع القرار سيطرح للتصويت بطلب من "الحكومة الشرعية" اللبنانية التي يرأسها فؤاد السنيورة بعد فشل الاطراف في لبنان في التوصل الى ارضية اتفاق. وتحدث عن "دفع" في مجلس الأمن لاتخاذ قرار احادي بانشاء المحكمة. وصرح في مقابلة مع وكالة "الاسوشيتد برس": "اعتقد ان ذلك قد يتحقق نسبياً قريباً... اعتقد ان هناك دفعاً للمضي قدماً ولاستجابة الطلب الذي قدمه السنيورة لمساعدة اللبنانيين على بدء تطبيق الاتفاق الذي وقعوه مع الامم المتحدة لانشاء المحكمة".

ورد على الانتقادات التي توجه الى المشروع بانه قد يؤدي الى حرب أهلية: "انا أقول إن هذه الاخطار لا تقارن بأخطار عدم انشاء المحكمة. فالمدعي العام يريد انشاء المحكمة ليحصل على مزيد من التعاون مع الناس... لردع مزيد من الهجمات، ثمة حاجة الى انشاء المحكمة، فيعلم عندئذ من يريد ان يرتكبها انه سيجلب امام العدالة... ومن المهم ايضاً ان يجري الردع على المدى الطويل باحالة اولئك الذين ارتكبوا جريمة سياسية على العدالة بما يوفر استقراراً بعيد المدى يحتاج اليه لبنان. اننا سنعمل مع آخرين لاستجابة هذا الطلب في اسرع وقت ممكن".

وقال نائب المندوب الصيني السفير ليون تشيمن للصحافيين: "لم نتخذ موقفاً بعد. لا نزال في طور التشاور مع سائر اعضاء مجلس الأمن توصلاً الى حل مقبول لدى جميع الاطراف".

مصادر
النهار (لبنان)