تناوبت الأوضاع الأمنية في محيط مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان أمس بين المتفجر والهادئ نسبياً، حيث شهدت ساعات ما قبل الظهر معارك طاحنة في الجزء الجنوبي من المخيم الذي تم دفع عناصر “فتح الاسلام” اليه، لتعود ساعات بعد الظهر فتشهد خفوتاً محدوداً في حدة القصف، يتلوه تصعيد مفاجئ لا تلبث حدته أن تتراجع لتتفاقم مجدداً.

وفي ما أحرز الجيش اللبناني تقدما على كل محاور المخيم، ترددت معلومات غير مؤكدة عن مقتل الرجل الأول في التنظيم المذكور شاكر العبسي. ونفت قوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان “يونيفيل” مشاركتها في عمليات قصف مواقع “فتح الاسلام”. وباشر رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة خطوات تمهيدية لعودة نازحي المخيم، وأثنى ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي على دور الجيش اللبناني وأدائه ومناقبيته.

ووسط معلومات غامضة عن قتال في داخل المخيم تخوضه عناصر من منظمة فلسطينية ضد عناصر “فتح الاسلام” الذين أشارت المعلومات نفسها الى اعتقال بعضهم، والى حدة المعارك المتفاوتة، شهد يوم أمس تقاذفاً للبيانات بين الجيش اللبناني و”فتح الاسلام”، حيث أصدرت القيادة العسكرية بياناً نفت فيه ما أعلنه مسؤول اعلامي في المنظمة المذكورة عن مشاركة قوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان “يونيفيل” في قصف مواقع “فتح الاسلام” من بوارج حربية متمركزة قبالة شاطئ لبنان الشمالي، وأصدرت “يونيفيل” نفسها بياناً مماثلاً أكدت فيه أنها ليست طرفاً في الأحداث الدائرة. وأعلن الجيش أن أحد عناصره تمكن من تصوير شخص في “فتح الاسلام” يطلق قذائف صاروخية مضادة للدبابات من مئذنة مسجد في المخيم، وقالت قيادة الجيش إنها أمسكت عن الرد، احتراماً منها لقدسية المكان، على الرغم من وقوع خسائر في صفوفها جراء القصف.

وأفادت معلومات أن الجيش اللبناني أحرز في اليوم ال 15 للمواجهات في نهر البارد مع عناصر “فتح الاسلام” تقدما على كل محاور المخيم، وأحكم الطوق عليهم وسيطر على مراكز لهم، وكثفت الزوارق دورياتها على الحدود البحرية لمنع فرار الارهابيين، وترددت معلومات عن مقتل قياديين من “فتح الاسلام” في المواجهات.

وذكرت الوكالة الوطنية للاعلام أن المواجهات اشتدت في الواحدة ظهرا بعد أن تمت السيطرة الكاملة على كل محاور وتخوم المخيم، وأفادت أن الجيش يتقدم من خلال خطة تهدف الى احكام السيطرة وتضييق محور تحرك هذه العناصر داخل المخيم بعد سيطرته شبه الكاملة على كل مواقع “فتح الاسلام”، بإسقاطها نهائيا أو احكامها بالنار، اضافة الى تقدم الجيش على المحور الجنوبي وصولا الى مركز فتح أبو عمار، وطوقت الزوارق البحرية المخيم لجهة البحر، لمنع فرار عناصر “فتح الاسلام” أو تسللهم عبر هذا الاتجاه، كما محور المحمرة.

ولم تتأكد معلومات متضاربة ترددت أمس عن مقتل الرجل الأول في “فتح الاسلام” شاكر العبسي واصابة الرجل الثاني “أبو هريرة”، وأعلن على لسان “فتح الاسلام” عن مقتل الرجل الثالث في التنظيم “أبو عصام” من دون أن تتأكد صحة المعلومات. وكان قد أفيد أن العبسي اختفى في اليومين الأخيرين، حيث لم يظهر داخل المخيم أو في أي تصريح اعلامي لينفي أو يؤكد صحة هذه المعلومات.

وتشير الاشتباكات الى تضاؤل وضعف الامكانات العسكرية ل “فتح الاسلام” بعد المواجهات والتقدمات التي أحرزها الجيش اللبناني على كل المستويات، والتي تهدف حسب خطة الجيش الى تضييق الخناق على هذه العناصر، تمهيدا لحسم المسألة عسكريا أو استسلام هؤلاء، كما يحاول الجيش ابعاد الأعمال العسكرية قدر الامكان عن الأماكن المدنية لتجنب أي إلحاق ضرر بهم، فيما تعمل مروحيات الجيش على نقل جرحى من مستشفيات المنطقة الى مستشفيات أخرى.

وقالت مصادر مطلعة أن عناصر فتح أبو عمار، والتي لها شبه سيطرة كاملة على حي سعسع داخل المخيم، تمنع دخول أو تسلل عناصر “فتح الاسلام” لتجنيب الحي من القصف والضرر وابعاد المدنيين عن الأذى.

وكانت المواجهات قد اشتدت عند الثالثة والنصف فجرا ثم هدأت، وما لبثت أن اشتدت ثانية عند السادسة والنصف صباحا، واستطاع الجيش في الأثناء مواصلة تقدمه الى مدخل المخيم القديم وعند السوق التجاري الذي يقع قرب معقل قيادة “فتح الاسلام”. وأشير الى أن عناصر التنظيم المذكور تعمل على نقل المعارك الى المحور الجنوبي للمخيم، وتحاول التسلل والفرار من هناك. وفي فترة قبل الظهر، كانت المواجهات تدور على ايقاع متقطع، حيث تستعمل الأسلحة المتوسطة والخفيفة مستهدفة مواقع تواجد عناصر “فتح الاسلام”.

الى ذلك، قالت الهيئة العليا للاغاثة في بيان لها أمس أن رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة باشر “اعداد خطوات تمهيدية لعودة نازحي مخيم نهر البارد الى منازلهم” بعد انجاز الجيش اللبناني عملية اجتثاث عصابة “فتح الاسلام” الارهابية من المخيم، وتأمين السلامة العامة التي تسهل عودة النازحين”. وعرض المسائل الحيوية والمعيشية لهذه العودة مع لجنة الطوارئ المؤلفة من الهيئة العليا للاغاثة ووكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة “أونروا” والمنظمات الدولية الانسانية، وذلك خلال الاجتماع اليومي مع اللجنة أمس.

وأعطى السنيورة التوجيهات اللازمة للدوائر المختصة في وزارة الداخلية، للتعاون مع “أونروا” لمساعدة النازحين الذين فقدوا أوراقهم الثبوتية في أثناء هذه الأحداث، لا سيما للتلاميذ الذين سيتقدمون للشهادات الرسمية أواخر الشهر الحالي. وسيتم علاج الجرحى الفلسطينيين الذين أصيبوا جراء القصف في المستشفيات على حساب وزارة الصحة اللبنانية.

وقال ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي إن العلاقات الفلسطينية - اللبنانية بالغة التعقيد، غير أن تاريخها يختصر بعلاقة الشعب الواحد، لأن المكونات الحضارية لفلسطين ولبنان تجعلهم طليعة ذات مميزات خاصة. ودعا في كلمة له أمس الشعبين اللبناني والفلسطيني الى تجاوز الماضي والبدء في بناء مستقبل خالٍ من الغل والأحقاد، وأكد أن الفلسطينيين في لبنان ضيوف مؤقتون يرفضون التوطين ويقفون مع مصلحة لبنان وشرعيته ووحدته وتنميته وأمنه واستقراره، وعلى المسافة نفسها من الجميع.

وشدد زكي على رفضه أن يكون المخيم الفلسطيني في لبنان مركزا للهاربين من وجه العدالة، أو خنجرا في خاصرة السلم الأهلي، خصوصا وأن الحوار اللبناني جاء ليقر عملية نزع السلاح خارج المخيمات وتنظيمه في داخلها. وأثنى على دور الجيش اللبناني وأدائه ومناقبيته، وأكد أن الفلسطينيين في لبنان لن يحموا أي عصابات، بل سيقدمون كل الدعم لإزالة عصابة “فتح الاسلام”.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)