ستكون للطريقة التي ستدير بها روسيا وإيران علاقاتهما الثنائية خلال الأشهر، بل السنوات المقبلة، تداعيات مهمة، سواء على التطورات في «الشرق الأوسط الكبير»، أم على السياسة الخارجية الأميركية. فبتعاونهما معاً تملك القوتان الرئيسيتان القريبتان من بعضها بعضاً، القدرة على ممارسة تأثير بالغ على السوق العالمية للطاقة، لاسيما فيما يتعلق بالغاز الطبيعي. كما يمكن لتعاونهما المشترك أن يساهم في رسم مستقبل نظام عدم الانتشار النووي، ذلك أن البلدين معاً يقتسمان مصالح استراتيجية مشتركة، فضلاً عن تقاسمهما لحدود برية طويلة.

ولا ننسى أيضاً إطلالتهما معاً على بحر قزوين وما يتمتعان به من موقع استراتيجي مهم وحساس. فعلى الصعيد الاقتصادي تجمع إيران وروسيا علاقات متميزة، حيث تبيع روسيا لإيران أسلحة تقليدية متطورة، وتلتزم معها، بموجب عقود موقعة، ببناء المحطة النووية الأولى في إيران «بوشهر» المطلة على الخليج العربي.

هذا ولا يخفي البلدان أيضاً توجسهما المشترك من العلاقات التي تنسجها جارتهما أذربيجان مع الغرب، وهما تحديداً يشعران بالاستياء ذاته إزاء السياسة الأميركية في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، والرامية، ضمن أهداف أخرى، إلى تنويع ممرات خطوط الغاز الطبيعي إلى درجة تهميش الخطوط التي تمر عبر الأراضي الإيرانية والحد من تلك التي تعبر روسيا.

لكن بما أن روسيا وإيران تملكان، على التوالي، أول وثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، فإن لديهما القدرة، نظرياً على الأقل، على التأثير في أسعار الغاز الطبيعي. وقد راج حديث في الآونة الأخيرة عن تشكيل تكتل مشابه لمنظمة الدول المصدرة للنفط «أوبيك»، على أن يقتصر على الغاز الطبيعي، وتلعب فيه كل من روسيا وإيران الدور الرئيسي. ولأسباب مختلفة يتخوف البلدان معاً من الخطوات الأميركية الأحادية في العراق.

فالإيرانيون من جهتهم قلقون من أن يؤدي أي انتصار أميركي في العراق إلى إقامة نظام علماني موالٍ للغرب، رغم أن الوضع هناك قلق وفي سبيله إلى التلاشي بالنظر إلى المشاكل المتفاقمة التي تواجهها الولايات المتحدة في العراق. ومع ذلك تبقى المخاوف الإيرانية من التواجد الأميركي في العراق حقيقية، لاسيما في ظل الحضور الأميركي المكثف في المنطقة مثل أفغانستان وباكستان، فضلاً عن الدول الأخرى في شبه الجزيرة العربية. أما روسيا فقد شهدت تقلصاً كبيراً لدورها في العراق، لتفسح المجال أمام ظهور مخاوفها الخاصة المتعلقة بالتوسع الاستراتيجي للولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي وإطباق الخناق على المجال الروسي، سواء في أوروبا الشرقية أو في آسيا الوسطى، كما يجرى حالياً.

لكن رغم المصالح المتداخلة، فإن لدى روسيا وإيران ما يكفي من الأسباب لإثارة مشاعر الشك في بعضهما بعضاً حيال أهدافهما بعيدة المدى. ففيما يتعلق بالتعاون النووي المشترك في محطة بوشهر، هناك مؤشرات متزايدة تدل على الاستياء الروسي من المشروع. فقد برزت خلافات بين الطرفين حول تسديد المستحقات، فضلاً عن شعور متزايد لدى روسيا بالحرج من ظهورها المستمر في المحافل الدولية وفي النقاشات الثنائية بين الدول، وكأنها تقف إلى جانب إيران في امتلاك السلاح النووي.

والأكثر من ذلك أنه في الوقت الذي تتطلع فيه الصناعة النووية الروسية إلى تأمين مزيد من العقود لبناء محطات نووية في إيران بعد انتهاء المشاكل الحالية، فهي تدرك أيضاً أن البرنامج الإيراني قد يهدد تطلعاتها في التعاون مع الغرب لإنجاز مشاريع أكثر أهمية. ولابد من الإشارة أيضاً إلى المخاوف التي يثيرها المحللون الروس، وهي شبيهة بالمخاوف العربية، من امتلاك إيران للسلاح النووي وخضوعه لسيطرة نظام إسلامي يتبنى أفكاراً ومبادئ تختلف تماماً مع تلك التي يؤمن بها الروس.

ولا يقتصر الاختلاف بين الطرفين على هذا الحد، بل يبرز على نحو واضح في ظل اعتماد كل من روسيا وإيران على صادراتهما من الطاقة لضمان الرفاه الاقتصادي. وإذا ما تراجع الطلب العالمي على النفط والغاز لأي سبب من الأسباب، سواء تعلق الأمر بتباطؤ الاقتصاد على الصعيد العالمي أو بسبب تطور المصادر البديلة للطاقة بأسعار معقولة، فإن البلدين سيدخلان في منافسة محمومة لتأمين حصص في السوق العالمية. وحتى في حال استمرار الطلب العالمي على الطاقة في مستوياته الحالية دون تراجع، فقد يتحول البلدان إلى متنافسين شرسين لتزويد السوق الأوروبية بالغاز الطبيعي.

وحسب الخبراء في مجال الطاقة ستحتاج أوروبا، حسب التقديرات الحالية، بحلول عام 2020 إلى تنويع مصادر الحصول على الغاز الطبيعي واستبدال مصدرها الحالي المتمثل أساساً في روسيا، وبالطبع تبرز إيران باعتبارها المرشح الأرجح لتعويض روسيا. ومن جانبهم يبدي الإيرانيون ارتياباً واضحاً حيال الطموحات الروسية بعيدة المدى، لاسيما فيما يتعلق بتطلعات الرئيس فلاديمير بوتين وزملائه في القيادة لاستعادة قوة روسيا ونفوذها في المناطق القريبة من حدودها. وبما أن هذه المهمة أصبحت أصعب في أوروبا الشرقية بعدما انضمت أغلب دولها التي كانت في السابق تدور في الفلك الروسي، إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو»، فإن الوجهة الأقرب لروسيا هي آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز المتاخمة للحدود الإيرانية. ومازالت نماذج التدخل الروسي ودعم موسكو لأعداء البلاد حية في الذاكرة الإيرانية، حيث سبق لروسيا وبريطانيا أن احتلتا إيران عام 1941، وساهمت روسيا أيضاً في قيام دولة أذربيجان نهاية الحرب العالمية الثانية. كما أن روسيا وقفت إلى جانب صدام حسين في حربه مع إيران، وظلت معه حتى بعد اجتياحه للكويت واندحار قواته أمام قوات التحالف الدولي عام 1991.

لذا فإنه ليس حتمياً أن تشكل روسيا وإيران جبهة صلبة لمواجهة أميركا في المستقبل، لكن طالما تواصل الدبلوماسية الأميركية في المنطقة، وتحديداً تجاه روسيا، سياسة المواجهة، فإن المحور الروسي ــ الإيراني سيظل قائماً وسيطرح تحديات جسيمة أمام أميركا وحلفائها في المنطقة وفي العالم.

مصادر
الوطن (قطر)