دون أدنى مفاجأة فرضت الإدارة الأمريكية مرشحها روبرت زوليك خلفاً لبول وولوفوتيز في منصب رئيس البنك الدولي، فنزولاً عند العرف المعمول به في هذه المؤسسة الدولية، لم يكن أمام المديرين التنفيذيين سوى الموافقة على المرشح الوحيد، الذي تحتكر الولايات المتحدة الأمريكية تسميته منذ تأسيس البنك الدولي.

قيصر العولمة الأمريكية، والعدو الأول للعولمة البديلة، والعضو الفاعل في عصابة المحافظين الجدد روبرت زوليك، أو المستر (بوب) كما تحب كونداليسا رايس مناداته، صرح بعد ترشيحه للمنصب بأنه (ينبغي نسيان الماضي، والتركيز على المستقبل)، ووعد بتكريس جهوده لمحاربة الفقر في أفريقيا السمراء، لكن الماضي العتيد لزوليك يلقي ظلالاً قاتمة من الشك على مستقبل المؤسسة الدولية في ظل قيادته، ولا يزكي جدية تنفيذه للوعود التي يطلقها، فهو من أصحاب نظرية "عسكرة التجارة"، وهو صاحب المقولة المشهورة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 (مكافحة الإرهاب تمر عبر تحرير التجارة العالمية)، ولا يخفى أن المقصود بذلك ضمن الشروط الأمريكية، وهو من المخططين للحرب على العراق، وأحد واضعي (مبادرة الشرق الأوسط الكبير) لإعادة فك وتركيب المنطقة مقدمة لإلحاقها نهائياً بعجلة التبعية الأمريكية.

وذراً للرماد في العيون، وصفت الإدارة الأمريكية زوليك بالحصان الرابح، الذي يمكن أن يراهن عليه في تصحيح بوصلة البنك الدولي، بعد سنوات من أزمة ثقة وهوية، وذلك بالاعتماد على خبرة زوليك الواسعة في حقول التجارة والسياسة والأمن، مغفلة أن انحراف البوصلة، وأزمة الثقة والهوية مردها السياسات التي فرضتها الولايات المتحدة على البنك الدولي، وبمقتضاها ضاع تعريف المعايير المهنية التي تستطيع بموجبها الدول الحصول على الأرصدة المالية، وكرّس التمييز الفاقع بالمعاملة، بحيث تغدق الأرصدة على الدول التي تحظى بالاستحسان السياسي من قبل الإدارات الأمريكية، وتحجب عن باقي الدول.

وبأنه على الدوام؛ عطلت الولايات المتحدة تبني المؤسسة الدولية لخطة ذات أجندة شاملة لمكافحة الفساد، بما في ذلك إغلاق الحسابات السرية المصرفية، التي تخزن فيها الأموال المنهوبة من بلدان العالم الثالث، وتستخدم لغسيل الأموال. ومن شبه المؤكد أن زوليك رغم كل الخبرة والصفات البراغماتية التي يتمتع بها لن يقود تغييراً بالاتجاه الإيجابي في البنك الدولي، على خلاف ما قام به سلفه وولوفوتيز، الذي خرج بفضيحة أخلاقية مدوية، فالتوجه الاستراتيجي الأمريكي يهدف إلى تحويل البنك الدولي أداة مطواعة، من خلال تسييس عمله، دون الالتفات إلى ما يؤدي إليه ذلك من فقدان عمل مؤسسات البنك للحد الأدنى من التوازن المطلوب، انسجاما مع أهدافه المعلنة بمكافحة الفساد، وما يشكله من عقبة أمام عملية التنمية في دول العالم كافة (مع اختلاف النسب والمعالجة)، بزيادته لثروة عدد قليل من البشر على حساب باقي أفراد المجتمع.

زوليك وولوفوتيز، وإن اختلفت الأسماء والصفات الشخصية والقدرات المهنية، وجهان لعملة واحدة، وعضوان في عصابة واحدة، هدفها فرض الهيمنة الأمريكية على العالم، وأول المتضررين من سياسة هذه العصابة هم العرب، الذين يعيشون على هامش عالم الحداثة والتقانة والثورة المعرفية، وهنا يمكن أن نفهم ترحيب الصين واليابان وروسيا وأوروبا بانتخاب زوليك، لآن الاقتصاديات القوية تستطيع أن تفرض شروطاً مقابلة للشروط الأمريكية، وبالتأكيد تعاملها مع البراغماتي زوليك أسهل من تعاملها مع الجلف وولوفوتيز، أما أن ترحب بعض الدول العربية وبعض دول العالم الثالث بانتخاب زوليك فهذا أمر لا يمكن تفسيره، أو إدراجه تحت عنوان إرادة حرة ومستقلة، بل تحت عنوان غياب الإرادة اللازمة لمقاومة الهيمنة الأمريكية.