كتب د.أوري بار- يوسيف، وهو محاضر في كلية العلاقات الدولية في جامعة حيفا، محذراً من دفع ثمن كبير نتيجة لتجنب البدء لعملية سياسية مع سورية في ظل مواصلة الاعتقاد بأنه لا يوجد خيارات عسكرية أمام السوريين. كما يشير إلى أن ذلك سيكون الخطأ الإسرائيلي الرابع، بعد ثلاث مرات ثبت فيها، في الماضي، خطأ التقديرات الأمنية الإسرائيلية.

وبرأيه فإن إمكانية البدء بعملية سياسية مع سورية مرت أمام نواظر الإسرائيليين بدون وعي. وكان قد أوضح الرئيس الأمريكي علانية أنه ليس معنياً بالتدخل، أما رئيس الحكومة الإسرائيلية فقد كان لديه "أمور حارقة" أكثر، في حين تعتقد إسرائيل أنه لا يوجد خيارات عسكرية حقيقية أمام الرئيس السوري بشار الأسد.

ويضيف أن هذه اللامبالاة خطأ. فالتاريخ يثبت أنه ولثلاث مرات على الأقل، في الماضي، كانت التقديرات تشير إلى عدم وجود خيارات عسكرية، وفي المرات الثلاث ثبت خطأ التقديرات. ودفعت إسرائيل ثمناً كبيراً في كل مرة من تلك الأخطاء. وعلى المسؤولين عن أمن الدولة أن يأخذوا ذلك بالحسبان، حتى لا يأتي يوم تضطر فيه إسرائيل إلى استخلاص الدروس من الخطأ الرابع.

وبحسبه ففي السنوات 1962- 1967 سادت في الأجهزة الأمنية مفاهيم بموجبها فإنه طالما ظل ثلث الجيش المصري عالقاً في الحرب الأهلية المتواصلة في اليمن، فإنه لا يوجد أمام للرئيس المصري جمال عبد الناصر خيارات عسكرية مقابل إسرائيل. وقد صمدت هذه المفاهيم في سلسلة من الاختبارات، التي صعدت فيها إسرائيل من صراعها مع سورية، قبل حرب 1967. وقبل ذلك كان الجيش الإسرائيلي قد دخل القرية الأردنية "سموع" وأذل الجيش الأردني، ولم يكن بإمكان عبد الناصر، حامي العالم العربي، أن يفعل شيئاً، بسبب وجود ثلث الجيش المصري في اليمن.

ويتابع أنه "لم يكن بالأمر المفاجئ أنه في آذار/ مارس من العام 1967 كانت تقديرات الاستخبارات العسكرية تشير إلى أن الحرب لن تقع قبل العام 1972 أو 1973. وبعد ذلك بشهرين دخل الجيش المصري إلى سيناء، والبقية معروفة. فلماذا اتخذ عبد الناصر هذا القرار بشكل مخالف للمنطق العسكري الإسرائيلي؟ كان لديه أسباب كثيرة، إلا أن أهمها هو الضغط باتجاه وقف ما كان يبدو للعالم العربي بأنه عجرفة إسرائيلية، وبكلمات أخرى فقد طفح الكيل بعبد الناصر".

ويضيف أنه بعد أكثر من سنتين، بدأت حرب الاستنزاف، وفي أعقابها بدأت إسرائيل باستخدام سلاح الجو كـ"مدفعية جوية" بحرية تامة، وفي العام 1969 صدر قرار بتنفيذ هجمات في عمق مصر لإجبار عبد الناصر على وقف إطلاق النار، وتصويره كمن لا يستطيع توفير الحماية للقاهرة أو الإسكندرية. وكانت تقديرات الاستخبارات العسكرية أن الاتحاد السوفييتي لن يتدخل في الصراع، سواء بسبب عدم وجود وسائل لذلك، أو الارتداع عن مواجهة الولايات المتحدة. وفي بداية العام 1970، في آذار/ مارس، تبين أنه كان للاتحاد السوفييتي، وخلافاً لتقديرات إسرائيل، خيارات عسكرية قاموا باستخدامها. فقد وضع في مصر عدة فرق عسكرية سوفييتية، وصل تعدادها إلى 10 آلاف جندي، بالإضافة إلى 25 بطارية صواريخ أرض- جو، و100 طائرة حربية. وفي نهاية الأمر اضطرت إسرائيل إلى وقف إطلاق النار، على حد قوله.

وحتى تشرين الأول/ أوكتوبر 1973، كانت إسرائيل تعتقد أنه لا يوجد خيارات عسكرية لدى العرب. وقبل اندلاع الحرب بعدة أيام، كانت تقديرات رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تشير إلى أن مصر لا تستطيع الخروج في حرب شاملة في السنوات الخمس القادمة. كما كانت تقديرات وزير الأمن تشير إلى أنه لن تقع حرب شاملة قبل أقل من 10 سنوات. وعندها وقعت الحرب، ومرة أخرى ثبت خطأ التقديرات، ودفعت إسرائيل ثمناً كبيراً بسبب الاعتقاد بعدم وجود خيارات عسكرية لدى الطرف الآخر.

وينهي بالقول أن الوضع لا يختلف كثيراً اليوم. وإذا كان الجيش الإسرائيلي أقوى من الجيش السوري، إلا أن ذلك لا يعني أن الجيش السوري لا يملك القدرة على توجيه ضربات مؤلمة لإسرائيل، ولا يعني أن السوريين لن يستخدموا قدراتهم العسكرية. في حين يميل المنطق العسكري في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي إلى استبعاد وزن الاعتبارات السياسية التي تدفع سورية إلى اللجوء إلى القوة. وفي حال حصل ذلك، ودفعت إسرائيل ثمناً كبيراً، لا تستطيع أن تبكي ثانية لبضعة سنوات أخرى، بسبب الخطأ في تجاهل الخيار السياسي، بحجة غياب الخيار العسكري لدى "العدو"...