زيارة جان كلود كوسران الى دمشق، تحتاج الى قراءة هادئة جدا.. صحيح ان أي مسؤول فرنسي لم يزر العاصمة السورية منذ سنتين، ولكن هذا لا يعني بالضرورة، أن ما يحصل بين باريس الساركوزية ودمشق، ولا سيما في هذه المرحلة الحساسة من حياة الشرق الأوسط - لا يعني - أن تحولا نوعيا بدأ يظهر في العلاقات الثنائية الفرنسية - السورية، فمثل هذا الحكم متسرع، وفي غير أوانه، كون هذه الزيارة تأتي أساسا على صهوة الأزمة في لبنان، ولا تأتي نتيجة مراجعة للسياسة الفرنسية في الساحة الدولية. ولا شك في أن الفارق الكبير بين التحرك الساخن في مناخ الأزمة وبين التحرك في مناخ مراجعة العلاقات.

مناخ مراجعة العلاقات تريده دمشق طبعا، وتتمناه بسرعة ولكن باريس حتى هذه اللحظة لم تباشر بذلك. سابقا أغلق الرئيس الفرنسي جاك شيراك الأبواب أمام هذه المراجعة، أما الجديد الآن ان الرئيس الحالي ساركوزي اتخذ خطوات يمكن ان تفهم على انها اشارة الى فتح باب مراجعة العلاقات، غير ان هذه الاشارة مازالت باهتة، ففرنسا تعرف جيدا ان الانفتاح على سوريا لا يمكن ان تقوم به وحدها منفردة من دون تنسيق مع الولايات المتحدة، إلا إذا أرادت باريس ان تنتهج سياسة أوروبية خارج المظلة الأميركية، وهذا ما لا توجد أية مؤشرات تدل عليه، فالمصالح الأميركية - الفرنسية، متشابكة وان تكن متنافسة في بعض الميادين، كما هي الحال مثلا في لبنان الذي تريد فرنسا ان تعزز موقعها ودورها فيه من دون التصادم مع الأميركيين.

وبناء على ما تقدم ماذا يبقى من زيارة «كوسران» الى دمشق على مستوى العلاقات الفرنسية - السورية؟ تبقى ثلاثة أمور فقط: أولا، كسر الفرنسيون جدار القطيعة التي كانت في عهد شيراك من دون يلوحوا بترميم العلاقات واعادة البناء. وثانيا، عبرت زيارة كوسران عن اعتراف فرنسا بدور سوري في الأزمة اللبنانية وقدمت لغة مختلفة عن الأميركيين غير ان هذا الاعتراف تضمن رسالة الى سوريا مفادها دعوة غير مباشرة الى ضرورة تطوير سياساتها، ورسالة الى واشنطن ايضا مفادها ان باريس تريد في لبنان تحديدا، دورا شريكا مع الدور الأميركي، وهذا يعني ان التحرك الفرنسي يمكن ان يتراجع في أية لحظة يتعرض فيها لضربات جزاء أميركية. أما الأمر الثالث المتبقي فيتعلق بمستقبل الجهود الفرنسية بعد مؤتمر الحوار اللبناني في «سان كلو» فباريس لا تريد ان تتعرض لانتكاسة في هذا المجال، وتريد ان تحصّن دورها عربيا، وهذا ما يفسر الزيارة الى دمشق وعواصم عربية أخرى فضلا عن التواصل مع جامعة الدول العربية، وبالتالي فإن علاقات دمشق - باريس ليست مرشحة الآن لتطوّر واسع.

مصادر
الوطن (قطر)