نساء

تتدارس النساء المسلمات اللواتي سيجتمعن في ماليزيا في وقت لاحق من هذا العام، خطة من المفترض بها أن تمتد لـلسنوات العشر القادمة، بغرض إعطاء دفعة للأمام للقيادة النسائية المسلمة عبر العالم.

والاسم الذي تخيرته المؤتمِرات لأنفسهن لتطلقن تحته هذا المشروع هو:

(المبادرة النسائية الإسلامية للروحانية والمساواة)، أو ما بات يعرف على سبيل الاختصار بـ(وايز).

وقد عقدت اللجنة أولى اجتماعاتها المهمة في تشرين الثاني من العام الماضي 2006، وتجري التحضيرات حاليا على قدم وساق لعقد المنتدى التالي، والذي سيلتئم في كوالا لامبور، عاصمة ماليزيا، في نهاية السنة الجارية تشرين الثاني-2007.

وقد رشح من هذا التحرك حتى الآن مجموعة من الأهداف التي أعلن عنها تباعا، بعد ان تبلورت الغاية التي يتم في سبيلها كل هذا العمل، إضافة بالطبع إلى الكثير من التساؤلات.

تقول ديزي خان التي تترأس المؤتمر الذي انبثقت عنه طليعة هذه المجموعة العام الفائت في نيويورك:(من المحرج مناقشة مشاكل النساء المسلمات في الصحافة من دون أن تشارك هؤلاء النسوة عمليا في الحوار، إنّه وضع مربك بالنسبة لهن و لنا على السواء).

في حين تصف شهرزاد بنت عبد الجليل وزيرة شؤون المرأة والأسرة وتنمية المجتمع في الحكومة الماليزية التي ستستضيف الحدث المؤتمر مازحةً بأنه الـ(الأمم المتحدة للنساء المسلمات).

وتضمّ هذه المجموعة حتى الآن ما يقارب الـ(200) سيدة سبق لأكثر من نصفهن أن اجتمعن في المؤتمر الأوّل، بقيادة مجموعة من الناشطات والأكاديميات والعضوات المؤسسات، كما تمّ تأسيس بعض الفروع في عدد من البلدان عبر جهود ومبادرات مندوبات المؤتمر.

وتقول خان المديرة التنفيذية للجمعية الأميركية للتقدم الإسلامي والتي مقرّها نيويورك؛ أنّ دورتين مغلقتين وخاصتين لتبادل الرؤى والأفكار ستُعقدان قبل الاجتماع المقرر في ماليزيا، وستنبثق عنهما مجموعة سيكون من مهامها وضع اللمسات الأخيرة على النظام الداخلي والنواحي الإجرائية.

وتضيف خان:(أعتقد أنّ هذا الأمر شبيه بوضع دستور وطني. هؤلاء السيدات يمثلن النساء ولديهن جداول أعمالهن الخاصة، ويتبنين سياسات مختلفة، لكن لا يزال من الممكن -إن لم يكن من الضروري- أن يخرج صوت ما موحد من كل هذا التنوع).

في الاختلاف يكمن التحدي كما القوة

لا يخفى أن المجموعة كانت تناضل للتواصل نتيجة تمايز مكوناتها، غير أن عضواتها اعتبرن ان هذا الأمر بالذات كان جديرا بالاحتفال كذلك، كونه يظهر إلى أي مدى هي متنوعة تلك الحياة التي تقودها النساء المسلمات في العالم ممن يسعين إلى إقامة توازن بين الهويات العلمانية والدينية التي يحملنها، مع محاولة شرح الإسلام لغير المسلمين، واسترداد (الإيمان) من أيدي السلطات الأبوية النافذة داخل المجتمع الإسلامي.

من ضمن المشتركات في الاجتماع الأوّل للمجموعة في نيويورك؛ وكنموذج عن هذا التنوع، يوجد مديرة تلفزيون باكستاني تعنى بإنتاج الأغاني المصوّرة والبرامج الحوارية الدينية، وسياسيّة دانمركية مهتمة بالشأن الإسلامي الأوروبي، وناشطة كانت ممن بنى أول مسجد خاص بالنساء في الهند، ومغنية ومؤلفة موسيقية هولندية من أصل مغربي تمكنت من إنشاء علامتها التجارية الخاصة، وامرأة شابة تدير مدرسة وملجأ للنساء في قريتها بعد تعرضها شخصيا لحادثة اغتصاب وحشية، وأوّل امرأة غربية تترأس أكبر منظمة إسلامية في شمال أميركا والتي صادف أنها اعتنقت الإسلام في العام 2006، إضافة إلى محاميات وأكاديميات من أفضل الجامعات في العالم.

في مؤتمر نيويورك الذي وصفته إحدى المشاركات بالـ(الملتهب)، وبعد مداولات ونقاشات استمرت لثلاثة أيام، تم التوصل إلى قرار بضرورة إنشاء مجلس للشورى، أو مجلس (استشاري) للنساء المسلمات القياديات، ممن يستطعن تحسس مخاوف واهتمامات المسلمين في العالم، ويملكن القدرة -عبر العلماء- على إطلاق وجهات نظر شرعية حول القضايا المختلفة عندما يتطلب الأمر.

يقول صادق سليمان وهو عالم مسلم وسفير سابق لعُمان في الولايات المتحدة أنّه يمكن تحويل مسألة إصدار التشريعات الإسلامية لتصبح عملية استشارية، وأن هذا الأمر هو أحد المبادئ الأساسية لأي حكومة إسلامية منتخبة.

يجدر بالذكر أنّ العديد من الدول الإسلامية كإيران، والمملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان ومصر، قامت بإدخال مبدأ الشورى هذا –والمرتبط حصريا بالذكور- ضمن سياسات الحكم الخاصة بها، فيما ترجع مسألة الشورى نفسها إلى تقليد عشائري كان سائدا ما قبل الإسلام، أقره النبي محمد فيما بعد.

تفعيل النفوذ السياسي

إنّ تحركا نسائيا سياسيا منظما على الصعيد الدولي كهذا، لهو إنجاز لايمكن تجاهله في العالم الإسلامي، حيث تتركز السلطة الدينية وصناعة القرار السياسي في أيدي علماء الدين والسياسيين الذين لا يبدون كبير حماس لمثل هذا النوع من (هزّ المراكب).

إقامة مجلس شورى للنساء المسلمات هو جهد يهدف للمطالبة بصوت قانوني وديني للمرأة المسلمة، ويعتبر أول مجلس دولي للشورى تشكله النساء المسلمات على نطاق العالم الإسلامي.

وبالتساوق مع هذا، توافقت المشاركات في المؤتمر على العمل في العقود المقبلة من اجل تكريس ودعم وجود 10مفتيات إناث -أو عالمات في الشريعة الإسلامية- يمكنهن تحليل وعرض القضايا والمسائل الاجتماعية والحقوقية مما يهم المسلمين.

كما أبدت المجموعة نفسها استعدادها للعمل بغرض إنشاء صندوق مالي عالمي للنساء المسلمات، هدفه دعم نشاطات هذه الشبكة، بما فيها توفير المنح التعليمية لتشجيع النساء المسلمات على دراسة علوم الدين الإسلامي وفلسفة التشريع.

ولكن، وكما هي الحال مع أي مشروع إجتماعي قانوني طموح، تواجه المجموعة تحديات لايستهان بها. ففي حين تتحدث خان بحبور عما لقيته من التشجيع من قبل المؤيدين، لا يخفي مراقبون توقّعاتهم لهذه الجهود بأن تقابل بكثير من التشكك و الحذر من قبل المتشدّدين في العالم الإسلامي.

وتخشى رباب المهدي التي تحمل شهادة في العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة من أن يُنظر إلى مبادرة (وايز) من قبل المحافظين المسلمين على أنّها (أحد معالم الغزو الثقافي الغربي)، في حين يعتقد عبد الله النعيم المتخصص في مجال حقوق الإنسان ومدرس القانون في جامعة إيموري في أطلانطا، أن عقد (وايز) لاجتماعها في الولايات المتحدة الأميركية ضمن المناخ السياسي الراهن يحد من قدرتها يشكل كبير على قيادة شرعية جماهيرية بين المسلمين حول العالم.

مدّ يد العون للنساء

تأمل مجموعة (وايز) في مقابل هذا، أن تلتقي مع أولئك الذين يعمدون إلى تشويه سمعتهن عند منتصف الطريق، وذلك عبر إقامة شراكة مع بعض الجامعات الإسلامية التقليدية، ومن خلال مدّ اليد للنساء المسلمات داخل المجتمعات الإسلامية نفسها قبل أي شيء آخر.

إحدى النقاشات الحادّة في اجتماع العام الفائت تمحورت حول قضية استثناء الرجال من التواجد في مجلس الشورى. فذهبت بعضهن إلى أنه في حال رغبت (وايز) بأن تكون منظمة شاملة حقا، ومشاركة في صلب النقاش الإسلامي الحالي؛ فإن عليها أن تضم إلى صفوفها رجالا مسلمين من ذوي الذهنية المتفتحة الذين يسعون من طرفهم إلى تمكين المرأة المسلمة، وذلك في مقابل أكثرية من المشاركات رأين أنّ إشراك الرجال لن يفيد سوى في الحد من تأثير (وايز) كمكان للنساء المسلمات، أقامته نساء مسلمات، ولأجل النساء المسلمات.

بيد أن سيدتين قد اضطرهما الجدل المحتدم للوقوف، كي تنبها إلى أنّ مجلس الشورى لا يمكن أن يكون مجرد مجموعة من النساء كما تمّ تصويره في الأساس!

وبغرض تحقيق التمثيل الثقافي والجغرافي الأمثل، قررت المؤتمرات أن يكون مجلس الشورى عبارة عن هيئة أوسع التي تضمّ بين 13و15 سيدة قائدة، مدعومات من قبل شبكة المجموعة التي تضمّ في صفوفها حوالي الـ200 سيدة.

ولكن هل سيؤخذ مجلس الشورى والآراء التي ستصدر عنه على محمل الجدّ؟

تقول خان ردا على هذا التساؤل أنّه يكفي -في الوقت الحاضر- خلق هذه المساحة، كرمز لرغبة النساء وحاجتهن إلى الحوار. وتضيف :(إنّ النساء يملكن كامل الحق في أن يتكلّمن ويُصغى إليهن، وفي أن يفهمن أنفسهن وإيمانهن على نحو أفضل.)


*شهناز حبيب سيدة مسلمة لم تخضع لعملية الختان، ولم تُجبر على ارتداء الحجاب، ولم تُمنع كذلك من إتمام تحصيلها العلمي. تكتب القصة والنقد والشعر، وتعيش حاليا في بروكلين- نيويورك.