تسارعت في الآونة الأخيرة أخبار عقد لقاءات سرية هدفت إلى تحريك المفاوضات السورية - “الإسرائيلية” المتوقفة منذ العام ،2000 فما الذي حصل وما الرؤية السورية للمفاوضات والسلام؟ وما أفقها في ظل الدعوة الأمريكية لمؤتمر سلام في الخريف المقبل؟

في العام 1991 انطلقت مفاوضات “إسرائيلية” - عربية عبر مسارين متوازيين ثنائي ومتعدد، لكن سرعان ما انحرفت عن أهدافها وبالتالي تداعياتها ونتائجها بفعل نجاح “إسرائيل” بقطف النتائج السياسية لحرب الخليج الثانية وتحويل هزيمة النظام العراقي آنذاك هزيمة لكل العرب، فانفردت بالفلسطينيين وأنشأت لهم سلطة وطنية منتظرة السلام الموعود فرضخت للقاءات اوسلو السرية، فيما توصلت مع الأردن إلى اتفاق وادي عربة، وترك المسار السوري واللبناني لقدر المتغيرات، في العامين 1993 و1996 لم تتمكن “إسرائيل” في عدوانها على لبنان من فصل المسار اللبناني عن السوري، وبرغم استئناف المفاوضات السورية - “الإسرائيلية” في العام 2000 في واشنطن لم تصل إلى نتائج محددة بفعل تنكر “إسرائيل” لوديعة رابين المشهورة، إضافة إلى ظروف وعوامل متعددة ومنها رحيل الرئيس حافظ الأسد.

إلا أن الرئيس السوري بشار الأسد ورث ملفا متكاملا في مسار المفاوضات لجهة تحديد الأهداف والنتائج المرجوة وكذلك التقنيات والأدوات والوسائل، وكعادتها “إسرائيل” دأبت على تسريب أخبار عن لقاءات سرية مع الجانب السوري، قابله نفي وتوضيح للرؤية السورية، لم تختلف في الواقع عما أوضحه الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير، وفي هذا الإطار ندرج بعض الملاحظات، أهمها:

خاض الرئيس السوري بشار الأسد للمرة الأولى في تفاصيل ما جرى في المرحلة الماضية لجهة الطرف الثالث الذي يقوم بنقل الرسائل بين دمشق وتل أبيب، وهذا لا يعني أن مفاوضات سرية قامت بين الطرفين كما تدّعي “إسرائيل”، وعلى الرغم من عدم تسمية هذا الطرف فإن مؤشرات قوية تشير إلى تركيا كطرف ثالث.

واللافت في إشارة الرئيس السوري كانت بدء هذه الحركة منذ عشرة اشهر أي في المرحلة التي أعقبت العدوان “الإسرائيلي” على لبنان وصدور القرار 1701 الذي أشار في إحدى فقراته الى وجوب انطلاق بيئة سلام في المنطقة، ما يعني قدرة “إسرائيل” مرة أخرى على استثمار نتائج العدوان على لبنان في اتجاه ملفات الصراع العربي - “الإسرائيلي” ومن البوابة السورية تحديدا.

والمفارقة الأخرى في الخطاب أيضا عدم ذكر لبنان لا من قريب ولا من بعيد، وهي المرة الأولى في خطاب رئاسي سوري منذ أكثر من ثلاثة عقود، وعلى الرغم من تفسير ذلك بكونه عدم اهتمام سوريا بإظهار لبنان كملف استراتيجي في سياستها الخارجية، فإن القراءة الدبلوماسية في معرض الحديث عن المفاوضات ربما تعتبر إشارة باتجاه تخلي سوريا عن ربط المسارين اللبناني والسوري في المفاوضات الموعودة كما دأبت سابقا على التشديد عليه.

إن التشديد على رفض المفاوضات السرية وهو أمر مألوف ومعتاد في القراءة السورية لوسائل السلام مع “إسرائيل”، قابله طلب سوري بإعلان صريح ومكتوب من قبل رئيس الحكومة “الإسرائيلية” ايهود اولمرت، أو عبر وديعة رسمية كالتي كتبها سلفه الأسبق اسحق رابين، وهذا يعني على الأقل أن ثمة جدية واقتناعاً كاملين كانا موجودين بالسلام في بدايتها من كلا الطرفين.

إن الإشارة إلى المرحلة المقبلة من العام 2007 واعتبارها مرحلة مصيرية ستحدد مصير المنطقة والعالم، يعني أن ثمة رؤية وقراءة متأنية لظروف المنطقة وما يحيط بها من ملفات معقدة، وهذا يعني في القراءة السياسية للخطاب أن فرص السلام والحرب هي متساوية، بل إن الحديث عن المفاوضات لا يلغي بالضرورة ما يُحضر للحرب إذا نضجت ظروفها وإمكانية نتائجها المحتملة أو المأمول منها.

وفي المقلب الأمريكي الآخر من مبادرات السلام المعتادة للشرق الأوسط، وبرغم هجوم صاحب الدعوة الرئيس جورج بوش في بداية خطابه على كل من سوريا وإيران ما يعني استبعادهما عنه، فإن الرؤية السورية للسلام كانت في موقع التمني أن تكون الدعوة فعلا لا قولا، وبرغم انه من المبكر الخوض في تفاصيل ذلك المؤتمر، فإن الدعوة له لا تعدو كونها محاولة أخيرة من الرئيس بوش لترك أثر ما في الشرق الأوسط قبل مغادرته البيت الأبيض. وبصرف النظر عن انعقاد المؤتمر ومن سيدعى إليه أو النتائج المرتقبة منه، فإن التجارب السابقة غير مشجعة في هذا المجال ولا سيما أن الإشارة السورية إلى وجوب وجود راع نزيه في إطار المفاوضات هي دلالة واضحة على عدم الثقة السورية بنزاهة الرعاية السابقة.

لقد تعرضت سوريا لضغوط هائلة من المجتمع الدولي بعد خروجها من لبنان على خلفية اغتيال الرئيس الحريري، وثمة قراءات كثيرة تشير الى أن ملف التحقيقات الدولية في عملية الاغتيال مرتبط بقراءة سياسية لما يمكن أن تقدمه سوريا في مشاريع المفاوضات المقبلة، وهذا ما تعمل عليه “إسرائيل” وتدفع أمريكا في اتجاهه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه مجددا، هل “إسرائيل” جاهزة للسلام الآن؟ وهل هي قادرة على دفع الأثمان المطلوبة وهي الأرض مقابل السلام؟ ثمة شكوك كثيرة باتجاه تلك القراءة، وما يشير إلى ذلك موقف اولمرت من خطاب الأسد واعتباره أن العودة إلى حدود الرابع من حزيران وفقاً للرؤية السورية يعتبر شرطاً مسبقاً، إضافة إلى أجواء زيارة الرئيس الإيراني احمدي نجاد إلى دمشق وما أثير فيها من تصاريح ومواقف وكأنها إعادة ترتيب أجواء المنطقة قبل متغيرات متوقعة.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)