خلال السبعة أسابيع الأخيرة عقد المجلس الأمني الوزاري الإسرائيلي سبعة اجتماعات مخصصة لبحث الوضع على الجبهة السورية كان آخرها اجتماع على خط الجبهة يوم الأربعاء الماضي بحضور رئيس الوزراء ايهود أولمرت ووزير الجيش ايهود باراك وقادة عسكريين آخرين. وبدد هؤلاء الشكوك حول احتمال اندلاع حرب على الجبهة السورية.

وجاء هذا الاهتمام الإسرائيلي بالجبهة السورية بعد ان صد الأميركيون محاولات إسرائيلية للتلاقي مع الدعوات السورية للتفاوض وهي دعوات رافقتها تحركات عسكرية سورية ما آثار مخاوف الإسرائيليين من أن دمشق تعد لهجوم مباغت تستعيد بواسطته جزءا من الجولان وتجبر إسرائيل على التفاوض بعد ذلك. الحسابات الأميركية تختلف مع الحسابات الإسرائيلية حول سوريا.

فواشنطن ترى في دمشق حليفا قويا لإيران ومنفذا للمقاومة العراقية ضد الأميركيين في العراق.. وداعما قوياً لحزب الله وحماس. بمعنى آخر أنها العقدة المفصلية في التحالف الإيراني، وهي تريد إسقاط النظام السوري بأية وسيلة بينما يرى الإسرائيليون أن سقوط النظام السوري لن يلغي المطالب السورية باستعادة الجولان مهما كان النظام الجديد.

وقد آثار الإسرائيليون الفزع في صفوفهم عمدا من سوريا في الشهور الأخيرة حيث دأبوا على تسريب انباء حول تنامي القوة السورية وتكديس الصواريخ البعيدة المدى وتجديدها ونشرها، وان دمشق لا تستطيع تجديد ترسانتها من الطائرات والدبابات والمدافع فانها استفادت من حرب الصيف الماضي في لبنان، واكتشفت مدى نجاعة الاعتماد على القاذفات والصواريخ المضادة للدبابات..

وكذلك درست أداء سلاح الجو الإسرائيلي في الحرب وهي عمليا تعتمد على الترسانة الصاروخية في مواجهة إسرائيل ووفقا للمصادر الإسرائيلية فان لدى سوريا ترسانة من صواريخ ارض ارض مختلفة ومتطورة ولديها اكبر شبكة مضادة للطائرات تضم 200 بطارية روسية الصنع من جيل سام الى الأجيال الأخيرة التي لم تدخل بعد الخدمة العملياتية في روسيا نفسها.

وأمام ذلك ينظر الإسرائيليون الى داخلهم اي جبهتهم الداخلية على ضوء تجربة الحرب مع حزب الله حيث تأكد ان جبهتهم الداخلية توقفت عن العمل إبان الحرب وترك الشمال وحده في مواجهة زخات الكاتيوشا من حزب الله، وتعطلت الدوائر الحكومية والمؤسسات. ويخشى الإسرائيليون من أن هجوما سوريا سيكون أكثر قوة من هجمات حزب الله بعشرات الأضعاف ما يعني هزيمة نكراء مؤكدة..

ولهذا كان محور اجتماعاتهم الوزارية المصغرة الجبهة السورية والجبهة الداخلية. التقديرات تشير الى استعدادات إسرائيلية محمومة لمواجهة اية ضربة سورية مفاجئة ورغم رسائل التطمين المتبادلة بين دمشق وتل ابيب بواسطة طرف ثالث.. وهذا يعني ضمنا ان إسرائيل تستعد للحرب وكأنها واقعة غدا.

ولعل موقع سوريا المهم والمفصلي في التحالف الإيراني يفضي الى تساؤل آخر وهو ان تل ابيب تستعد لتوجيه ضربة قاتلة للقوة السورية خدمة لمصالحها الخاصة ولمصلحة الولايات المتحدة. والأخيرة التي تخوض صراعا مع إيران بهدف إحباط مشروعها النووي تجد نفسها عاجزة حتى الآن عن فعل أي شيء يذكر لإحباط المشروع .

وهي أيضا ليست في وضع يتيح لها توجيه ضربة عسكرية لإيران فإذا كانت الضربة جوية صاروخية فان الرد الإيراني سيكون متوقعاً ضد القوات الأميركية في العراق وضد إسرائيل وإذا كان حملة عسكرية شاملة فان تجربة العراق مازالت قائمة ومؤلمة، وبالتالي فان إيران تبدو هدفا صعبا. فيما ان ضرب سوريا يخدم الهدف نفسه بل ويحقق أهدافا أخرى لأن إخراج سوريا من الحلبة يعني انهيار حزب الله في لبنان وإضعاف حركة حماس وعزل المقاومة العراقية وبالتالي تشديد الحصار على إيران وصولا إلى تدمير المحور الإيراني لتتخلى طوعا عن طموحها النووي.

سوريا هي الصيد السهل بالنسبة للإستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية ولعل التركيز والتهديدات الأميركية نحو إيران ربما للتغطية على ما يحاك ضد دمشق. ففي سنوات سابقة قبل الاحتلال الأميركي للعراق كان ارييل شارون يركز في تصريحاته على التهديد الإيراني لإسرائيل حتى طلب منه الرئيس بوش أثناء إحدى زياراته الكف عن الحديث عن التهديدات الإيرانية والتركيز على التهديد العراقي وأسلحة الدمار الشامل العراقية التي ثبت انها غير موجودة أصلا.

وطلبوا منه الإيعاز للوزراء والقادة الإسرائيليين عدم الحديث عن إيران مطلقا بل العراق.. وعملت الآلة الإسرائيلية فور ذلك على اختلاق روايات عن طائرات عراقية نفاثة تم تحويلها لتطير بدون طيار محملة بأسلحة كيماوية تستطيع الوصول الى إسرائيل وقنابل يورانيوم قذرة..

ومعامل للأسلحة الجرثومية متنقلة، وتولي اللوبي اليهودي عملية تضخيم القوة العراقية تمهيدا لشن الحرب.. والآن يجري تضخيم القوة السورية للهدف ذاته وتخفيض حدة التصريحات والتهديدات نحو إيران بل التعاطي مع إيران دبلوماسيا ووجها لوجه رغم اعتبارها التهديد الأول والامتناع عن مخاطبة السوريين مباشرة ومنع إسرائيل من فتح قنوات اتصال حقيقية حول التفاوض. وفي مثل هذا الوضع فان احتمال تعرض سوريا لهجوم أميركي إسرائيلي فجائي بات محتملا.. ما سيؤدي إلى إحكام قبضة واشنطن وتل أبيب على تلابيب المنطقة بالكامل.

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)