"أما إن كان صدور القانون [قانون الإدارة المحلية الموعود منذ ثلاث سنوات] يتعارض مع الانتخابات الحالية فإن ذلك لا يؤثر أبدا، أي يمكن أن نصدر القانون بعد انتهاء الانتخابات مباشرة"، هذا من كلام السيد هلال الأطرش وزير الإدارة المحلية والبيئة في لقاء "السقف المفتوح" مع صحفيي جريدة الثورة بتاريخ 6/8/2007 المنشورة في عدد اليوم التالي.

جاء ذلك بعد أن بيّن الوزير للصحفيين أن الانتخابات تخضع للمرسوم التشريعي رقم 91 المتعلق بالانتخابات في حين أن قانون الإدارة المحلية يخضع للمرسوم رقم 15 لعام 1971، وبالتالي لم يقع التأخير في صدور قانون الإدارة المحلية الجديد الذي وعدت الوزارة، طوال سنتين على الأقل، بالعمل به في هذه الدورة الجديدة للمجالس المحلية. وهذا يعني أنه يمكن القيام بالانتخابات الآن من دون أن تكون الوزارة قد أخلّت بوعودها بعد! مع أن الموقع الالكتروني لوزارة الإدارة المحلية والبيئة قد أورد في بيان تحت عنوان "وزير الإدارة المحلية والبيئة: اختيار الأفضل والأكفأ من جانب التمثيل الجماهيري" قولا للسيد الوزير يعتبر فيه أن العملية الانتخابية الحالية "ستنفذ حسب القانون القديم الذي أثبت فعالية في التجارب السابقة حيث استطاع ضمان نزاهة وموضوعية الانتخابات كما ضمن الحرية المطلقة للمرشح والمنتخب". وهنا، ورغم أننا نخالف هذا التقييم من ناحية الفاعلية وبشكل أكثر من ناحية النزاهة وضمان الحريات، نتساءل عن الداعي إذن لاستبدال قانون بهذه الجودة و"النخوة".

لكن السيد الوزير لم يخطئ في ما ذكرناه له أعلاه من ناحية عدم تضارب إجراء الانتخابات مع صدور القانون الجديدة بعدها مباشرة، فهو وأنا نعرف أن لا أهمية لصدور ولعدم صدور القانون الجديد لا قبل الانتخابات ولا بعدها، وإلا كيف يمكننا تفسير قوله هذا؟ فالمرشحين ترشحوا استنادا إلى قانون محدد (طبعا هذا كلام نظري فقلة منهم يعرفون بوجود قانون للإدارة المحلية والأقل هم من يعرفوه)، واستنادا إلى بنود القانون يعرف المرشح أنه يتقدم ليشغل مهمة ضمن صلاحيات محددة وواجبات وحقوق بيّنة، فيجد في نفسه ما يؤهله لهذا الدور. فالأمر إذن هو بمثابة تعاقد بين المرشح والدولة. وكذلك هو الأمر بالنسبة للناخب الذي سيختار من بين المرشحين الأكثر جدارة للقيام بالمهام الواردة بالقانون المعمول به، لكن ربما لو كانت تلك المهام مغايرة أو أوسع أو أضيق لاختار غير مرشح. من هنا لن يكون من حق الناخبين مساءلة مرشحيهم فيما بعد إن لم يقوموا بأدوارهم جيدا، إذ سيكون لدى هؤلاء المرشحين، بعد نجاحهم، ذريعة أن ما رشحنا أنفسنا إليه هو غير المناط بنا الآن استنادا للقانون الجديد، وبالتالي فهم في حل من التزاماتهم أمام ناخبيهم.

واستنادا إلى هذا أرجح اعتقادي بأن السيد الوزير يعرف مثلي أن لا أهمية لكل هذا الكلام ولا للقانون. إذ هو ينسجم مع الفكر المقلوب للحكومة السورية التي تنظر للمجالس المحلية، كسواها من المؤسسات، على أنها أجهزة حكم. أي أنها أجهزة مسيّرة من السلطات لتنفيذ سياسة السلطة بدل أن يكون عمل السلطات الأعلى هو مركزة أعمال الدوائر وتنظيمها وفقا للسياسيات الخدمية والتنظيمية التي تقرها تلك المجالس لدوائرها السكانية. أي باختصار إن مهمة المجالس المحلية إدارة خدمات سكان أحيائها وبلداتها لا أن تخدم السلطة. واستنادا لهذا الفهم والتطبيق نجد التداخل بين عمل المجالس البلدية وعمل شعب حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم؛ ونجد قوائم الجبهة الوطنية التقدمية المفروضة على السكان؛ ونجد صلاحيات الوزير في إقالة رؤساء البلديات خلال ساعات، "إن مهلة استصدار أي مرسوم لإعفاء رئيس مجلس مدينة لم تتجاوز عدة ساعات" هذا ما قاله الوزير في لقاء "السقف المفتوح" المذكور أعلاه؛ وأخشى أن يكون الكلام في طبيعة ودور المجالس المحلية وعلاقتها بالسلطة وبالدولة مضيعة للوقت الآن، لهذا سأنتظر حتى تطرح الوزارة القانون الجديد للنقاش كما وعد السيد الوزير حينها يمكن لنا مناقشة هذا الموضوع.

وكان قد ركز السيد الوزير في هذا الحوار كثيرا على مسألة الفساد ومكافحته في المجالس المحلية، مستندا في رؤيته للفساد في أجواء وزارته إلى "أن حالة الفساد التي نراها في مختلف جهاتنا وإداراتنا لا تقتصر فقط على الإدارة المحلية، فالوضع في جهات أخرى ليس أفضل حالا مما عندنا"!!! ولم يكتف الوزير بهذا القول الذي يقلع عين الصقر، بل أضاف "ولكن للحد من هذا الفساد أبيّن انه إذا كان رئيس البلدية جيدا فلأن انتخابه جاء من أشخاص جيدين" لكي يقلع عين الصقر الأخرى. وإذا طبقنا هذه القاعدة العلمية على الأرقام التي أوردها الوزير: "في الدورة الماضية تم إعفاء (32) رئيس مجلس مدينة من أصل (102)"، "كما تم إعفاء (65) رئيس بلدية ذات شخصية اعتبارية و(100) رئيس بلدية لا تخضع للانتخابات" فسيكون لدينا نسبة أكثر من 31% من الناخبين السوريين هم أشخاص غير جيدين، طبعا بغض النظر عن إمكانية وجود رؤساء بلدية آخرين غير جيدين لكن لم ينكشف أمر عدم جودتهم للسيد الوزير. طبعا حصلنا على هذه النسبة من الإحصائية الأولى، أما الإحصائية الثانية والتي أعضاؤها معينين من قبل السلطات الأعلى فلم يخبرنا الوزير سببا لعدم جودتهم.

الكلام عن الفساد يطول عندنا وعند السيد الوزير الذي نسب إليه موقع وزارته الالكتروني قوله: "فقد استطعنا خلال انتخابات عام 2003 تطبيق منهجية جديدة تمثلت باختيار مرشحين ذوي كفاءات وخبرات كبيرة لإدارة المجتمع المحلي"!!!