دخلت منطقة الشرق الأوسط مجدداً في دائرة التوتير والتسخين عبر قيام حكومة ايهود اولمرت القلقة «داخلياً وإقليمياً» باستفزاز سوريا «وهي أحد الكيانات الرئيسية الأكثر قوة في الخريطة الشرق أوسطية» لاستجرار رد فعل غير مسحوب من دمشق يعيد المنطقة إلى دائرة الضوء والفوضى والاضطرابات بعد فترة طويلة من الجمود والحرب الباردة على مختلف الجهات.

إن قيام الطيران الحربي الإسرائيلي بالتسلل وانتهاك المجال الجوي السوري في هذا التوقيت له أكثر من سبب وداع إسرائيلي بشكل خاص وأميركي على وجه العموم ومن هذه الأسباب والدواعي.

أولاً: أسباب داخلية وحزبية اسرائيلية وتتمثل في ان حكومة اولمرت وبعد فشلها الذريع في حرب الصيف الماضي مع لبنان، باتت مع تغير الخريطة الجيوسياسية والحزبية بصعود الجنرال ايهود بارك إلى زعامة حزب العمل وبنيامين نتانياهو إلى زعامة حزب الليكود المتطرف تخشى على نفسها من الانهيار والسقوط السريع.. ولذلك فإنها والواقع الجديد المتشكل فهي مضطرة بهوس للنجاة برأسها واتقاء شر العائدين «بيبي وباراك» عبر استعراض القوة العسكرية «الردعية» في المنطقة ورفض السلام مع العرب عموماً ومع سوريا على وجه التحديد.

فتحالف كاديما المتهالك يحاول الآن عبر استفزاز سوريا توسيع دائرة المناورة الداخلية إلى أبعد حدودها، لكسب الرأي العام الإسرائيلي، فهو اليوم يخشى على نفسه من التفكك بعودة الأعضاء الضالين إلى الليكود والعمل ومن القيادات الطامحة إلى الزعامة مثل وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، وكان هذا واضحاً في خطاب اولمرت الذي جاء بعد يوم من اختراق المقاتلات الاسرائيلية المجال الجوي السوري.

ثانياً: أسباب خاصة بإدارة بوش وهي تتأهب «مضطرة» لإعلان الفشل في العراق ورسم خريطة الانسحاب الحذر والمبرمج من هذا البلد فهذه الادارة التي أفلست في ترويض سوريا، بالضغوط والاملاءات والتهديدات والعقوبات تريد التغطية على هذا الفشل بإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل للتحرش بأقوى دولة في جبهة الممانعة واستدراجها إلى ردة فعل في هذا الظرف الدقيق والحساس تؤثر على مواقفها القوية والمتماسكة في وجه بؤر متفجرة في المنطقة بدءاً من العراق ومروراً بأزمتي لبنان وفلسطين، وانتهاء بالمواجهة المحتملة مع إيران. ولا شك أن حكومة تل ابيب الحالية استطاعت وبإيحاءات مباشرة من إدارة بوش المتداعية ان ترمي حجراً ثقيلاً في رمال المنطقة المتحركة، عبر الاقدام على هذا العدوان الخطير على السيادة السورية، لكن سوريا برصانتها السياسية والدبلوماسية، وتجهيزاتها الدفاعية الدؤوبة لرد العدوان، قادرة على امتصاص هذه الصدمة، والرد عليها في الزمان والمكان المناسبين وهي لن تتهور أو تنجر إلى ما يريده لها اعداؤها والمتربصون بها، لكنها في ذات الوقت هي صادقة في عزمها الدفاع عن نفسها بكل قوة إذا ما تجرأت القيادة الإسرائيلية الحالية تجريب هواجسها الردعية التي تمرغرت على جبهة المقاومة الوطنية في جنوب لبنان.

من الواضح ان حكومة اولمرت لا تجرؤ في هذا الظرف الداخلي الحرج على الخوض في مفاوضات سلام حقيقية مع سوريا أو غيرها من الاطراف العربية، فالطاقم اليميني الزاحف باتجاه السلطة.. يعمل اليوم للردع والتفوق وتغيير الصورة ولن يمنح أحداً فرصة لتقديم «التنازلات المؤلمة».. يضاف إلى ذلك وجود إدارة أميركية قلقة.. تتخبط بين التراجع والاندفاع في المنطقة.

مصادر
الوطن (قطر)