لم يكن التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير في بيروت حول استعداد فرنسا للاعتراف برئيس لبناني يحصل على أصوات الأكثرية المطلقة من النواب في ما لو تعذر الوفاق، زلة لسان. فالمسؤولون عن الملف اللبناني في فريق عمل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، يؤكدون أن فرنسا ما زالت ملتزمة بالتوافق وتحبذه لأنه أفضل حل للبنان.

إلا أن التطورات على الأرض خصوصاً مع اغتيال النائب انطوان غانم جاءت لتؤكد للجانب الفرنسي الساعي للتوازن والوفاق أن سورية وحلفاءها على الأرض لم يفهموا الرسائل التي وجهت إليهم باستمرار. فاغتيال نائب، بهدف خفض عدد نواب الأكثرية، استراتيجية إرهاب تهدف إلى تعزيز الشعور بعدم الاستقرار وغياب الأمن في لبنان.

فقد وجهت فرنسا ساركوزي أكثر من رسالة إلى سورية، لتظهر ايجابية من خلال عدم التدخل في لبنان وتركه يعيش مساره الديموقراطي من دون عرقلة وضغط على حلفائها على الأرض. لكن سورية قررت منذ عقود عدم الاصغاء الى نصائح الأوروبيين أو الأشقاء العرب الذين ساعدوها ودعموها، وفضلت الابتعاد والخصام على الأخذ بالنصائح الأخوية.

وفرنسا ساركوزي ليست فرنسا شيراك، وهذا صحيح، كون الرئيس الفرنسي صرح مراراً عزمه على القطيعة مع مواقف سلفه. لكن الأحداث في لبنان واغتيال الشهيد انطوان غانم جعلت ساركوزي ينصح كوشنير بعدم لقاء وزير الخارجية السوري وليد المعلم على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. فالمسؤولون الفرنسيون حاولوا الانفتاح على سورية ومد اليد إليها، لكنهم طلبوا منها ابداء حسن النية قبل استكمال بادرتهم هذه.

فساركوزي يقرأ تاريخ بلاده في تعاملها مع الدول، ويدرك أن اليد الفرنسية التي امتدت إلى سورية سابقاً لم تعط نتائج بل العكس.

والواقع أن كوشنير، الذي استقبل نواب «حزب الله» في لا سيل سان كلو، أراد فعلاً أن يدفع التوافق بين الأطراف، لكنه صدم بعناد الطرف المصرّ على ابقاء الاعتصام والتهديد بالعنف وبالمزيد من المشاكل.

ولبنان أمام استحقاق رئاسي، والمرشحون المطروحة اسماؤهم حالياً من قبل الأكثرية، ليسوا أشخاصاً يريدون جر لبنان إلى حرب مع سورية. وهم يعرفون تماماً أن تاريخ لبنان مرتبط بعلاقات جوار طبيعية وجيدة مع سورية، لكنهم يتطلعون إلى لبنان مستقل وسيد، وهذا من حق كل لبناني.

فهل يجوز أن يعيش نواب لبنان في مخابئ لأنهم عرضة للقتل؟ وهل تستمر ديبلوماسية القتل وتتحدى العالم الحر الذي يريد لبنان مستقلاً وسيداً على رغم كل الضغوط والنصائح؟

الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة، علماً بأن انتخاب رئيس جديد ليس نهاية المشاكل في لبنان. فالاتفاق على حكومة جديدة وعلى برنامجها وعلى مشروع لإصلاح البلد هي ايضاً أمور مصيرية. فليكن لحلفاء سورية على الأرض وللعماد الثائر ميشال عون الذي يريد تولي المنصب الرئاسي يقظة تجعلهم يدركون أن البلد وشعبه بحاجة إلى التنفس والنهوض من أوضاع اقتصادية خطيرة. فلتكن هناك اتفاق على انتخاب رئيس للبلد يبعث الأمل في النفوس. فالبيان الرئاسي لمجلس الأمن طالب بوقف استخدام العنف والتهديد بحق ممثلي الشعب اللبناني. فهل يعقل أن يستمر القتل والتهديد على رغم كل هذه التعبئة العالمية؟

إن مقتل الشهيد انطوان غانم عزز الشعور بالتشاؤم حيال اقناع سورية وحلفائها بأنهم لا يمكن أن يبقوا على صممهم حيال دعوات مجلس الأمن.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)