اعتذر ما يقارب 300 رجل دين وعالم مسيحي عن الحروب الصليبية ونتائج الحرب على الإرهاب التي أضرت بالمسلمين وتسببت بآثام وخسائر بشرية وعقائدية طالبين المغفرة من الله الرحيم والصفح من الأمة الإسلامية في جميع أنحاء العالم.

جاء ذلك في جواب لرجال دين مسيحيين بعنوان “حب الله وحب الجار” رداً على رسالة وقعها 138 عالماً ومفكراً مسلماً بعنوان “كلمة سواء بيننا وبينكم” والذي قال فيه كبار رجال الدين والفكر والعلماء المسيحيون “اننا نود البدء بالاقرار بأن العديد من المسيحيين في الماضي، في الحروب الصليبية مثلا، وفي الحاضر “في تجاوزارت ما يسمى الحرب على الإرهاب مثلا” أذنبوا بارتكابهم آثاما ضد جيراننا المسلمين، فقبل ان نصافحكم رداً على رسالتكم نطلب مغفرة الله الرحيم وصفح الأمة الإسلامية من جميع أنحاء العالم”.

وفي مؤتمر صحافي عقد أمس في المجمع الثقافي بأبوظبي للكشف عن الرد المسيحي على رسالة المسلمين قال الداعية الإسلامي المعروف الحبيب علي الجفري رئيس مؤسسة طابا “انني سعيد بهذا الرد الذي يعتبر خطوة غير مسبوقة للتقارب بين الديانتين والحضارتين منذ أكثر من 500 عام”، لافتاً إلى ان أتباع الإسلام والمسيحية يمثلون 55 في المائة من سكان الارض. وأكد أن هذا التقارب الملموس اليوم يجسد أولى الخطوات والارضية الصلبة التي يجب أن نقف عليها للعودة من جديد إلى السلم والتآخي والوئام بين البشر.

وأكد الجفري أن الرد المسيحي الإيجابي على رسالة علماء وشيوخ المسلمين وما تضمنه من اعتذار للمسلمين سيقابله بإذن الله خطوات قادمة ستعزز من الحوار بين الديانتين كعقد اللقاءات المشتركة والمؤتمرات على كل المستويات مما سيثري من حوار الديانتين ويعطيه دفعاً قوياً حتى يفهم العالم دعوة الإسلام الحقيقية للسلام والوسطية والاعتدال.

ورداً على سؤال بشأن عدم مشاركة رجال الدين في الفاتيكان بالتوقيع على الرد المسيحي قال الداعية الجفري اننا “بعثنا برسالتنا إلى الفاتيكان والى الآن لم يأتنا الرد منهم سواء بالايجاب أو السلب ونتمنى ان يكون ردهم إيجابيا على غرار ما تسلمناه في رسالة من أكثر من 300 عالم ورجل دين مسيحي منتشرين في مختلف بلدان العالم”، مشيراً إلى أن الرسالة وجهت إلى 27 رجل دين قيادياً في العالم وجاء الرد من 25 قيادياً مسيحياً ليتبقى رد الفاتيكان واحدى الكنائس الأرثوذوكسية.

وخلال المؤتمر الصحافي قال البروفيسور ميروسلاف فولف مؤسس ومدير مركز الايمان والثقافة في جامعة ييل الذي أعد رسالة رد المسيحيين “انني سعيد بوجودي هنا بهذه المناسبة الكبيرة في تاريخ المسيحيين والمسلمين وأرى ان هذه المبادرة جيدة رغم الظروف الصعبة التي تعيشها العلاقات بين المسلمين والمسيحيين والتي هي في أدنى مراحلها”.

وأضاف ان ما هو مهم في رسالة المسلمين “كلمة سواء بيننا وبينكم” انها جاءت من كل شرائح المسلمين وهذه بادرة طيبة ومملوءة بالأمل وتمكنت من تحريك وجدان المسيحيين وإيقاظ حب التصافح والتقارب والمحبة بين الجانبين.

وأشار إلى أن أكثر من 300 عالم ورجل دين مسيحي وقَّعوا على رد المسيحيين على رسالة المسلمين وهم من جميع أنحاء العالم وأغلبيتهم من الولايات المتحدة الأمريكية ويمثلون أكبر شريحة من المسيحيين من مختلف الطوائف والمدارس المسيحية، موضحا بأن الوثيقة المسيحية الصادرة عنهم ليست سياسية وهي قد تقع في موقع قبل السياسة، فهي تعرض أفكار ومعتقدات من وقع عليها.

ورأى البروفيسور ميروسلاف ان “الرد المسيحي سيكون له تأثير من الناحية السياسية بحكم اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بالإضافة إلى المؤتمرات الدينية التي ستعقد بين المسلمين والمسيحيين لتعميق مبدأ التفاهم والحوار وتقبل الاخر موضحا أن مثل هذه الدعوات واللقاءات لا تعني فقط المسلمين والمسيحيين بل على اليهود أيضا ان يشاركوا فيها باعتبارهم شريكاً أساسياً في عملية السلام العالمي”.

وأعرب ميروسلاف عن أمله في ان تتلاشى الفروقات بين المسيحيين والمسلمين وان يبدأ الحوار انطلاقا من هاتين الرسالتين اللتين تمثلان الطاولة المشتركة التي ينبغي الجلوس إليها والتحدث بصراحة تامة واحترام بين الطرفين.

من جهته تحدث أمام الصحافيين الداعية عارف علي مدير المركز الإسلامي الملكي للدراسات والبحوث في عمان، مؤكداً أنه وخلال 15 عاماً من العمل في مواضيع المقارنة بين الأديان لم ير قط وثيقتين كاللتين صدرتا عن رجال الكنائس ورجال المساجد.

وأشار إلى ان ما يميز رسالة المسلمين انها تمثل اجماعاً بين أكابر المذاهب من أهل السنة والجماعة وكذلك الطوائف الشيعية وغيرهم، الذين أجمعوا على مخاطبة الكنائس المسيحية للالتقاء على كلمة سواء وعبادة الله ومحبته ومحبة الجار والتي تؤسس لخطاب إسلامي مسيحي معتدل.

نص الرسالة

وفيما يلي نص رد العلماء ورجال الدين المسيحيين على رسالة “138” عالماً مسلماً.

بسم الله الرؤوف بلا نهاية الذي ينبغي أن نحبه من كل كياننا.

حب الله والجار معا.

جواب مسيحي لرسالة “كلمة سواء بيننا وبينكم”.

لقد شجعتنا كثيراً، كمسيحيين، وأثرت فينا بعمق الرسالة التاريخية المفتوحة التي وقعها 138 من أبرز العلماء والمشايخ والمفكرين المسلمين من أنحاء العالم. إذ تحدد “كلمة سواء بيننا وبينكم” أرضية مشتركة جوهرية مهمة بين المسيحية والإسلام والتي موقعها في لب كل من ديانتينا وكذلك في لب الديانة الإبراهيمية الأقدم اليهودية.

فقد كانت دعوة السيد المسيح إلى حب الله وحب الجار متأصلة في الوحي الإلهي الموجه إلى بني إسرائيل والمدون في التوراة (تثنية 5:6؛ لاويين 18:19). وإننا نتسلم الرسالة المفتوحة باعتبارها يد التقاء مودة وتعاون ممدودة من المسلمين نحو المسيحيين في أرجاء العالم. ونحن في جوابنا هذا، في المقابل، نمد يدنا المسيحية لكي يمكننا العيش معا ومع جميع البشر الآخرين في سلام وعدالة بينما نسعى في حب الله وحب جيراننا.

لم يصافح المسلمون والمسيحيون بعضهم بعضاً في مودة على الدوام في التاريخ، فقد اتسمت العلاقات فيما بينهم في بعض الأحيان بالتوتر، بل وبالعدائية الصريحة. وبما أن السيد المسيح يقول في الإنجيل: “يا مرائي، أخرج أولا الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيداً أن تخرج القذى من عين أخيك” (متى 7: 5) فإننا نود البدء بالإقرار بأن العديد من المسيحيين في الماضي (في الحروب الصليبية مثلا) وفي الحاضر (في تجاوزات ما يسمى “الحرب على الإرهاب” مثلا) قد أذنبوا بارتكابهم آثاماً ضد جيراننا المسلمين. فقبل أن “نصافحكم” رداً على رسالتكم نطلب مغفرة الله الرحيم وصفح الأمة الإسلامية في جميع أنحاء العالم.

“يشكل المسلمون والمسيحيون معاً ما يزيد على نصف سكان العالم. ولا يمكن أن يكون هناك سلامٌ مُجدٍ في العالم من دون إحلال السلام والعدالة بين هذين المجتمعين الدينيين”. إننا نشارك المسلمين الموقعين على الرسالة مشاعرهم التي تعبر عنها هذه السطور التي افتتحوا بها رسالتهم المفتوحة.

تمثل علاقات السلام بين المسلمين والمسيحيين أحد أهم تحديات هذا القرن، إن لم يكن العصر الحالي برمته.

وعلى الرغم من أن التوترات والصراعات، وحتى الحروب التي يقف فيها مسيحيون ومسلمون بعضهم في وجه بعض ليست ذات طابع ديني في الأساس، إلا أنها تحمل بعداً دينياً، لا يمكن إنكاره، وإذا ما أمكننا تحقيق سلام ديني بين هذين المجتمعين الدينيين فمن الواضح أن تحقيق السلام في العالم سيكون أسهل منالا. ولذلك لا مبالغة في القول كما قلتم في “كلمة سواء بيننا وبينكم” إن “مستقبل العالم يعتمد على السلام بين المسلمين والمسيحيين”.

إن ما هو استثنائي بخصوص “كلمة سواء بيننا وبينكم” لا يكمن فقط في إدراك موقعيها للسمة المصيرية للوقت الراهن في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين بل يكمن في استصحاب البصيرة العميقة والشجاعة لدى تحديدهم للأرضية المشتركة بين المسيحيين والمسلمين. فإن المشترك بيننا لا يكمن في أمر هامشي، ولا في أمر مهم فقط بالنسبة إلى كل منا، بل في أمر مركزي جدا لكلينا هو: حب الله وحب الجار.

وقد يبدو مفاجئا للعديد من المسيحيين أن تعتبر رسالتكم الوصيتين لحب الله وحب الجار أساسيتين لا في الدين المسيحي فحسب بل بالنسبة إلى الدين الإسلامي كذلك. وإن وجود هذا القدر الكبير من الأرضية المشتركة في بعض أساسيات الإيمان كاف بمنحنا أملا بأن تكون الاختلافات التي لا يمكن إنكارها وحتى الضغوطات الخارجية الواقعية والتي تلقي بثقلها على كاهلنا من غير الممكن أن تحجب الأرضية المشتركة التي نقف عليها معا وإن هذه الأرضية المشتركة التي أساسها حب الله وحب الجار تمنحنا أملا في إمكانية أن يصير التعاون العميق بيننا السمة المميزة للعلاقات بين مجتمعينا.

إننا نثني على أن “كلمة سواء بيننا وبينكم” أكدت وبإصرار بالغ على الإخلاص المفرد لله الواحد بل والمحبة لله كالفرض الرئيسي على كل مؤمن.

فالله وحده يستحق بحق ولاءنا المطلق. وعندما ينال أي شخص أو أي شيء غير الله ولاءنا المطلق - حاكم أو وطن أو تقدم اقتصادي أو أي شيء آخر فسينتهي بنا الأمر إلى خدمة أصنام وإلى تورط حتمي في وحل صراعات عويصة ومهلكة.

إن مما يثلج قلوبنا القول ان الله الذي ينبغي أن نحبه فوق جميع الأشياء يوصف بكونه محبة.

وفي التعليم الإسلامي إن الله “رب العالمين” هو “الرحمن الرحيم”.

إننا نجد تآلفاً وثيقاً مع إيماننا المسيحي في تأكيد “كلمة سواء بيننا وبينكم” على أن الحب هو ذروة واجباتنا تجاه جيراننا. قال النبي محمد “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه” وقال: لجاره “ما يحب لنفسه”.

ونقرأ في الإنجيل شبيه ذلك “من لا يحب (جاره) لم يعرف الله” (يوحنا الأولى 4: 8) “من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره” (يوحنا الأولى 4: 20).

كما أننا نوافقكم عندما تقولون بأن “العدالة وحرية الدين عنصران مهمان في شأن محبة الجار” فعندما نفتقر إلى العدالة لا يمكن لا لحب الله ولا لحب الجار أن يكونا حاضرين. وعندما يتم تقييد حرية المرء في عبادة الله وفقا لما يمليه ضميره، يهان الله ويتعرض الجار للقمع وليس هناك حب لله ولا للجار.

وحيث ان المسلمين يسعون في حب جيرانهم المسيحيين فهم ليسوا ضدهم كما تصرح الرسالة على نحو مشجع، بل المسلمون معهم، وإننا كمسيحيين نتفق بعمق مع هذه المشاعر إذ يعلمنا إيماننا المسيحي بأننا يجب أن نكون مع جيراننا بل وأكثر من ذلك أن نعمل من أجل مصلحتهم حتى حين يكون جيراننا أعداء لنا.

تحث رسالتكم الشجاعة قائلة “ولتكن هذه الأرضية المشتركة”، الأرضية المشتركة الثنائية من حب الله وحب الجار، “أساس جميع اجتماعات الحوار بين الأديان في المستقبل فيما بيننا”. وبالفعل إنكم تجسدون ما تدعون إليه بالكرم الذي كتبت به رسالتكم وإننا نتفق مع دعوتكم من أعماقنا.

يجب أن نلتزم بالحوار بين الأديان متخلين عن كل “كراهية وشقاق” وساعين في الخير بعضنا لأجل البعض، لأن الله الواحد يسعى لأجلنا في الخير من دون انقطاع. وإننا بالتأكيد نؤمن معكم بأنه يجب علينا أن نمضي أبعد من “مجرد حوار مسكوني مهذب بين صفوة مختارة من القادة الدينيين وأن نعمل معا بلا كلل لإعادة تشكيل العلاقات بين مجتمعاتنا ودولنا بما يعكس بصدق حبنا المشترك لله تعالى ولبعضنا البعض”.

ونظرا للشروخ العميقة في العلاقات بين المسيحيين والمسلمين اليوم فإن المهمة التي أمامنا شاقة والتحديات عظيمة. يعتمد مستقبل العالم على قدرتنا كمسيحيين ومسلمين على العيش معا بسلام.

وإذا ما أخفقنا في بذل كل الجهود الممكنة لإحلال السلام والالتقاء معا بانسجام فإن نفوسنا الخالدة كما تذكروننا عن حق في خطر أيضاً.

إننا مقتنعون بأن خطوتنا التالية يجب أن تتمثل في التقاء قادتنا على كل المستويات بعضهم مع بعض والبدء بالعمل الصادق الدؤوب لتحديد الطريقة التي يريدنا الله تعالى أن نفي بها بواجب حبه وحب بعضنا البعض.

لقد تسلمنا رسالتكم الكريمة بتواضع وأمل. ونحن نلزم أنفسنا بالعمل معا قلباً ونفساً وفكراً وقدرة لتحقيق الأهداف النبيلة التي اقترحتموها.