لم يكن صديقي من النوع الذي يحب المزاح أو أي نوع من أنواع الهزل , بل عرف عنه طوال سنين دراسته بأنه من النوع الجاد الذي يتابع أخبار مراكز البحوث وآخر ما توصلت إليه الاكتشافات والاختراعات العلمية

ونظراً لكوني أعرف جيداً ...

فقد سألته بكل احترام , حينما التقيته بعد طول غياب , عن الفرع الذي اختاره للاختصاص في العلوم الطبية ؟؟

فإذ به يتلمس نظارتيه , ويجيبني بكل وقار واعتزاز بالنفس :

( تحاليل المعارضة السياسية ) ....!!

اعتقدت للوهلة الأولى أنني قد أخطأت السمع , لكنه انتبه إلى ارتباكي فسارع إلى توضيح ذلك على النحو التالي :

( أعرف أنك تستغرب هذا النوع من الاختصاص , ولكن صدقن هذا هو آخر ما توصل إليه العلم !!)

وأضاف :

المعارضة يا صديقي مثلها مثل أي مهنة في الدنيا

فمثلما تؤدي بعض المهن إلى نوع من الحالات المرضية , فإن بعض أنواع المعارضة السياسية قد تصيب أصحابها بعاهات وأمراض وأوبئة متعددة تستوجب إجراء التحاليل المناسبة لها , وفق مقاييس حددتها بروتوكولات الدكاكين السياسية !

ولما كان صديقي يتمتع بمواصفات الباحث الذي يقرن آراءه دوماً بأمثلة وتطبيقات وتجارب ميدانية فقد انتحى بي جانباً , وتلفت بشيء من الحذر , ثم أخرج نموذجاً من هذه التحاليل وراح يشرح لي قائلاً:

انظر يا عزيزي : هذا آخر تحليل لواحد من الجهابذة بعد أن توكل على الله وأصبح معارضاً على طريقة ( الطبل بدوما ..والعرس في حرستا ) .

زارني بالأمس في غاية السرية للاطمئنان على أوضاعه الصحية , بعدما لاحظت حماته تدهوراً في وعيه , وتعالي أصواته مع زوجته في غرفة النوم !

وتابع :

هذا المعارض مصاب بما يسمى (نقص التروية الحبيبية ) , وهو مرض خطير يصيب كل من تسول له نفسه أن يتسول على أبواب سفارة أجنبية , أو مفوضية بنكية أو منظمة حقوقية سياحية ومن أهم أعراضه : ارتفاع في حرارة الشتائم للوطن , وتصلب في شرايين الوعي , وتهتك في العرض , ونزيف في الكرامة , وتضخم في الأنا !!

وهو مرض والعياذ بالله يصيب أحفاد أبو مصعب الخدامي , المدمنين على التبجح بأنهم من سلالة الفاتحين , والواهمين بالعودة مع أقرانهم من الإخوان المهجرين تحت عباءة المحسن الكبير : دايفيد ولش !!

أما ( الداء الدكاكيني ) فهو من الأمراض الحادة التي تظهر على صاحبها خلسة , حينما يجد المريض نفسه فجأة أحد زعماء ( لجان إحياء المجتمع المريض ) فيبادر إلى تأسيس دكان أو حزب معارض يتألف من ستة أشخاص فقط , ثم ينصب نفسه ناطقاً باسم الحزب , ويقترف بياناً مليئاً بالأخطاء النحوية والأخلاقية , قبل أن يقصد الفضائيات للحديث عن ( تحالف الموتورين الأحرار ) الذي ترتعد منهم جحافل التتار وأعداء الديمقراطية الحجاجية !!

ولعل من أبرز أعراض هذا المرض هو الشلل الدماغي الذي تظهر علاماته أمام وسائل الإعلام الأجنبية حينما يدعي المريض امتلاكه لقواعد شعبية عرمرمية , فيسرح في سرد بطولاته الوهمية واستعراض قواه الدونكيشوتية , متلهفاً لغيث أبابيلي , على الطريقة العراقية بنكهة جلبية !!

وأضاف صديقي بحرقة :

في الآونة الأخيرة بدأ وباء ( الليبرالية الستربتيزية ) يتفشى في أواسط المعارضة المتهافتة , وهو وباء خطير ينقله فيروس ( كونداليزا ) الذي يسري في أوصال المريض المصاب بـ (انفصام الوطنية) , حيث تبدو علي أعراض التعب من المواقف المبدئية , فيلجأ إلى النطوطة على كل الحبال , ويتنقل من (المطرقة والحاصودة) إلى (ليبرالية كوندي) تحت شعار : هل رأى الحزب سكارى مثلنا ؟!

وأضاف صديقي :

إلا أن أكثر ما يلفت الانتباه حالياً هو البؤرة الإنتانية التي ظهرت مؤخراً في مستنقع بقدسيا تحت مسمى ( المجلس العفني لإعلان دمشق ) , حيث اتضح أن هذه البؤرة قد أشرف على تفشيها المعارض بأمر الله (رياض الترك) بعدما أصابته لوثة بيانونية مع اختلاجات خدامية عالية الشدة .

وكان الترك (عظم الله أجره) قد صرح لوكالة (نقطني يا كدع) بأن الأكاديمية العليا للعلوم الاستنقاعية برئاسة مستر (ميني بوش) سرعان ما أبدت اهتمامها الشديد بهذه الظاهرة : فقررت اعتبار (المستنقع الإعلاني ) محمية طبيعية , يشرف عليها الحجاج بن سيف المدني بقرار من مجلس الأمن "الحريري" .

وأضاف العجوز الترك الذي يتزعم حزب الشعب الديناصوري :

إن ( وكالة الدمارات المركزية ) تأمل أن ينتشر هذا المرض في صفوف المهرجين الإعلانيين , لكي يتسنى لها إجراء المزيد من البحوث بهدف التوصل إلى دليل قاطع بأن شرطة كفرسوسة هي المسؤولة عن استفحال ثقب الأوزون وتصحر مجرة درب التبان !

وذكر ابن العم الشعبوي ( خريج المعهد العالي للستربتيز السياسي ) :

إنه في حال نجاح هذه التجربة الاستنقاعية سوف يتمتع المواطن السوري بمناعة ذاتية ضد جميع الأمراض السيادية والوطنية , مما قد يفسح المجال أمام منظمة الصحة العولمية للاستفادة من خبرات الدكتور الظواهري في التفتيت أو الاستئصال !!!