أقرّ الكونغرس عام 1973 قانون جاكسون فنيك وينص القانون علي أن الشرط الرئيس للعلاقات الأمريكية والروسية، هو حماية اليهود في روسيا والتعاون معهم.

من كتاب اليهود في أمريكا لجونثان غولدبرغ:
عندما وصل المهاجرون الأوائل من إنكلترا إلي العالم الجديد (أمريكا) أسموها أورشليم الجديدة وكانوا يتشبهون بالعبرانيين القدماء.

من كتاب أرض الميعاد لوالتر مكدوغال ترجمة رضا هلال:
في ضوء ما سبق يمكننا أن نفسر قول المرحوم البرفسور إدورد سعيد لباراك أوباما عندما كان محاميا مبتدئا:
غريبٌ أمرُ عشقك الدائم لإسرائيل !
وربما يفسر أيضا قول السيدة هيلاري كلينتون يوم 2008/4/22 في مهرجانها الانتخابي في بنسلفانيا:
إذا اعتدت إيران علي إسرائيل، فسوف نمحوها عن الخريطة !

هي إذن القصة القديمة الجديدة، قصة إنشاء إسرائيل لأمريكا، وإنشاء أمريكا لإسرائيل.
فكلاهما ستظلان إلي الأبد مربوطتين بالحبل السري ذاته، علي الرغم مما يُشاع في كل يوم من قضايا التجسس بين الدولتين، وكأن إحداهما ليست هي الأخري، وهذا نوعٌ من التمثيل بقناعٍ زائف، حتي ولو كان الضحية هو جونثان بولارد، وصولا إلي آخر الجواسيس وهو بن عامي كاديش الذي فُضحت جوسسته لحساب إسرائيل في اليوم نفسه الذي هددت فيه هيلاري إيران.

والغريب في الأمر أن هناك عشرات الاتفاقات ومئات البروتوكلات السرية بين الطرفين، لا بين الدولتين، تنصُّ كلها علي تزويد الأخري بكل المعلومات التي ترد إلي أي طرف منهما، فكل المعلومات عن إيران، تصل أمريكا من إسرائيل، ومعظم المعلومات عن اقتصاد العرب تصل إسرائيل من أمريكا.
وحتي كتابة هذه الأسطر سيظلُّ كثير من العرب من المفكرين وغير المفكرين، من السياسيين والمحللين والمعلقين وكل العاملين في الإعلام العربي يمارسون طقسا عربيا قديما وحديثا في الوقت نفسه،يتمثل هذا الطقس التراثي العربي في إلحاحهم علي أمريكا بضرورة الانفصال عن ربيبتها إسرائيل، عربونا للصداقة بين العرب وأمريكا، كما أن بعضهم أيضا سيظل يُطالب أمريكا بأن تردع إسرائيل، أو أن تقوم بتعزيرها وفق مبدأ (أضعف الإيمان) لأن كثيرا منهم أيضا لا يدرسون تفاصيل المجتمع الأمريكي، ولا يحيطون كثيرا بطبيعة إنشاء أمريكا، فالحقيقة تقول إن إنشاء أمريكا كإسرائيل، فكلاهما قام علي الإحلال، إحلال جنس جديد في مكان الجنس القديم، وهم يتوهمون بأن أمريكا تسعي معهم في ردع إسرائيل عن إقامة المستوطنات، مع أن التاريخ الأمريكي كان قد بدأ بتأسيس المستوطنات علي أنقاض أكواخ الهنود الحمر.

لا أحد يجادل فيما سبق، غير أن التذكير بالأمر، لا بد أن يمر بالمقدمة السابقة، لأن كثيرين من العرب صفقوا لجيمي كارتر البطل !عندما قرر أن يحاور قادة حماس، كما أنهم فرحوا بترشُّح سميِّهم في اللون ذي الأب المسلم حسين، وهو باراك أوباما، كما أن بعضهم أحسّ بالغبطة، وهو يري قرب زوال الحزب الجمهوري الأمريكي، لا من منطلق التحليل السياسي، ولكن من منطلق التشفي العربي، بكل من يظلم العرب، ويعتدي علي حرماتهم، وأن دعاءهم بالويل والثبور وعظائم الأمور علي بوش بدأ يؤتي أكله حتي وإن صعدت للحكم هيلاري كلينتون التي تهدد دولة مستقلة ذات سيادة بمحوها عن خريطة العالم، إذا اعتدت علي إسرائيل.

أليست أقوالها تقع ضمن تهمة أقسي بكثير من تهمة اللاسامية التي تعتنقها كلينتون كقانون من القوانين الأمريكية تُضاف لقانون نيكسون فانيك؟
أليست أقوالها تلك تدخل ضمن تهمة جديدة أسميها أنا:
اللابشرية ؟
وهي تعني السعي لإفناء البشرية كلها، بعد إدخالها في حرب عالمية ثالثة؟

إن السباق إلي البيت الأبيض لا بد أن يمر في طريقه دائما بإسرائيل، فهي الدولة الوحيدة، التي تمتلك السلم والحرب والغني والفقر، والمجد والإذلال.
ولي أن أتساءل عن سر استيقاظ ضمائر الزعماء الأمريكيين بعد أن يخرجوا من الحكم، فهل ذلك يعود إلي مرض التخلص من عقدة الذنب التي ارتكبوها في حق الآخرين، أم يعود إلي قناعتهم بالمبادئ التي ظلوا ينادون بها ويستعملونها طعما من طعوم الصيد والتغرير، وهي الحرية والإخاء والمساواة؟
ولا أستغرب أن يأتي يومٌ، وهو عندي ليس ببعيد، حين يؤسس الرئيس جورج بوش بعد أن يخرج من الحكم طبعا، جمعية لرعاية الأسري والجرحي والمفقودين في شارع المنصور ببغداد، أو أن يقوم هو نفسه بالإشراف علي انتخابات حرة ونزيهة في الموصل والبصرة وديار بكر والفلوجة.

لا قيمة في عالم اليوم للأفكار الممكيجة، ولا قيمة للكلام المطلي بالجل، ولا فائدة من الأفكار التي تلبس أثواب المهرجين وأقنعة الممثلين، فالمجد اليوم لمن يقول الكلمة الأولي، بحيث يظل متمسكا بأنها الأولي والأخيرة.

عن جريدة القدس العربي.