هي بالفعل نوع من اختراع صورة للموت، فما سيحدث في غزة بعد نهاية التهدئة لن يختلف كثيرا عن مساحة الموت المفتوحة اليوم، أو "خنق" المنافذ السياسية على الأقل لإتاحة إنتاج "مجتمع" في غزة قادرة على رؤية الأمور بشكلها الحقيقي، فمسألة القطاع منذ أن تقاسمتها القاهرة والرياض وهي تدخل عبر "جغرافية الإغراق" التي وصلت إلى قطيعة سياسية عن هذه المنطقة.

الدور السعودي على ما يبدو "مطلقا" بعد اتفاق مكة الذي على ما يبدو كان "تفاهما حول "الموقع السعودي" داخل النظام العربي أكثر منه دعما للموقف العربي في أي تسوية، فالمسألة لم تكن تحتاج لوقت طويل حتى بدأت الاختراقات لهذا الاتفاق، ثم تم بعد ذلك "ملاحقة" المحاولات التي بُذلت من أجل إنهاء الاقتتال الداخلي، وعلى الأخص ما قامت به اليمن، فالمسألة حتى اللحظة تبدو في رهن "غزة" لصالح صراع الأدوار العربية.

والحصار الذي استمر رغم التهدئة لا يبدو أنه موضع خلاف داخل "الأدوار الإقليمية" فهو موضوع تابع ويرتبط أيضا في "حاكمية" الموقف السعودي للمبادرة العربية التي رُسمت عمليا في الرياض ودفنت في جنبن، فالبحث داخل الدور السعودي، قبل المصري، يقدم مؤشرات أساسية على أن "الموضوع الفلسطيني" ربما يبتعد عن "إسرائيل" لصالح إعادة تشكيل المنطقة بما يتناسب مع طموحات التسوية القادمة، وعلى الأخص الاستراتيجية الأمريكية فيما لو بدأ الانسحاب من العراق، فواشنطن تعرف تماما أن نقاط الضغط على المنطقة لن تكون إلى من هذه القضية، بينما لا تريد السعودية رهانا على "انتفاضة ثالثة" تعيد القضية الفلسطينية إلى مساحات إضافية.

انتهاء التهدئة سينقل انكفاء الدور السعودي في مسألة المصالحة الفلسطينية، التي تبدو أنها شرط أساسي لحجم إسرائيل عن استمرار حصارها، وفي نفس الوقت سيوضح أن العلاقات الفلسطينية – الفلسطينية هي خط أحمر بالنسبة للرياض يرتبط بالصراع على الأدوار الإقليمية، وهو أمر ربما يذكرنا بدورها في لبنان أيضا وفي العراق، لكن الغريب هو أن هذه الأدوار لم تصل حتى الآن إلى تبديل حقيقي في المواقف السياسية، لأن الرهان هنا على مواقف حدية، وعلى إسقاط خيارات اجتماعية بالدرجة الأولى.

ربما لن تستطيع الرياض إنهاء الحصار، لكنها على الأقل قادرة على فك "الإغلاق" السياسي المفروض على هذه المسألة، فهي في النهاية تملك أوراقا لا يستطيع أحد إنكارها، لكنها في نفس الوقت تسعى اليوم لاستخدام هذا النفوذ في مكان مخالف تماما لجغرافية المسألة الفلسطينية، وهي تدرك أيضا أن رهانها الحالي ربما سيصبح أقل حدة فيما لو سارت عملية التسوية في اتجاه آخر مغاير لما هو عليه الآن، أي العودة لا ستراتيجية سلام تبدأ من المنطقة وليس من المشاورات الخارجية قبل إطلاق "مبادرات" سارع البعد لترجمتها إلى العبرية في حملة علاقات عامة لا تدعو سوى إلى الدهشة.