وضع مؤتمر العلاقات السورية ـ اللبنانية لأول مرة مراجعة أكاديمية لتلك العلاقات بعد مرحلة قاسية من الفتور والتوتر وحتى العداء بين البلدين أعقبت إغتيال رئيس الحكومة لأسبق رفيق الحريري .
المؤتمر شكل بهذا المعنى محطة مهمة بإتجاه فتح ملف شائك لم يجرؤ أحد من قبل على التصدي له . وكان واضحا أن تصريحات الرئيس بشار الأسد لصحيفة السفير الشهر الماضي ثم خلال لقائه المشاركين في المؤتمر وقبلها بكثير قبيل الاعلان عن خروج القوات السورية ربيع 2005 كل هذه التصريحات شخصت أخطاء شابت العلاقات ووضعت أرضية صلبة شجعت على إطلاق مثل ذلك المؤتمر ودورات أخرى قادمة كما جاء في البيان الختامي .

لكن في تفاصيل ذلك المؤتمر ثمة الكثير الذي يجب تناوله وبالأخص تركيز محاوره على عوامل تاريخية تبدأ في نهايات القرن التاسع عشر ونيلها الحصة الأكبر من المحاضرات فتحول المؤتمرالى بحث تاريخي يتناول قضايا موضع إتفاق إن لم تكن إجماع على المستوى الاكاديمي والعام . ورغم أهمية المحاور وقيمتهاالعلمية الرفيعة إلا أنها ليست القضية وبالتالي الهدف الذي تركز الاهتمام عليه فلا يوجد أحد يجادل مثلا بأهمية رواد الوعي القومي العربي ودورهم بالنهوض العربي وكذا الأمر في التداخل بين لبنان وسورية على مدى القرون الماضية وبتشابه النظامين الإقتصاديين في فترة قبل الستينيات من القرن الماضي. كل تلك قضايا مهمة لكنها بعيدة عن الجوهر الذي حمله عنوان المؤتمر من جانب وما ينتظر منه على المستوى السياسي والشعبي . وهو ما اقتصر في الواقع على مداخلات ضمن تلك المحاور ومحور الأفاق المستقبلية للعلاقات السورية اللبنانية في اليوم الأخير والذي كان يجب أن يشكل جوهر المؤتمر.

منطق الأمور يؤشر الى أن أوراق العمل في اليوم الأخير تشكل جوهر المؤتمر فيما المحاور خلال الأيام الأربعة الأولى ما هي الا تقديم كان يمكن إختصارها بمحور واحد على أبعد حد.

والملاحظة الثانية أن المشاركين اللبنانيين ينتمون الى لون سياسي واحد بمعظمهم من رافضي ما جرى خلال السنوات القليلة الماضية والقريبين جدا من الرؤى السورية للعلاقات ما جعل الحوار يدور في الواقع ضمن فريق واحد مع تباينات في التفاصيل البسيطة فالشخصيات مثل ميشال سماحة وعصام نعمان وجورج قرم وليد عربيد

وعلي شعيب .. وغيرهم ينتمون الى خط عروبي وقومي أكثر تمسكا ربما من السوريين بضرورة مراجعة العلاقات وبنائها على أسس صلبة . وفيما عدا هؤلاء شارك عدد قليل جدا من الاعلاميين اللبنانيين بينهم أمين قمورية من "النهار" وبرز الاكاديمي اللبناني عصام خليفة الذي أضفى على اليوم الأخير حرارة افتقدها المؤتمر عموما. وبالتأكيد توسيع حضور مثل تلك الشخصيات كانت قادرة على إغناء ضروري ومهم للنقاش والحوار رغم معرفة المشاركين سوريين ولبنانيين بطرح الفريق اللبناني الغائب.

في كل الأحوال يشكل المؤتمر علامة فارقة لجهة التأسيس لإطلاق الحوار بعد صمت وإرتباك كبير بالتصدي لملف العلاقات بين البلدين التي وصفها الرئيس سليم الحص بأنها طبيعية يعني أنها مميزة . الخطوة الأولى مهمة وتضع الأرضية لأخرين للمشاركة ومواصلة المشوار الذي لا ينتهي بالتأكيد حتى مع التحسن المنشود في العلاقات .