لا جديد داخل المواقف السياسية المعلنة بين دمشق وأنقرة، فالرئيسان السوري والتركي كررا أمس مواقف باتت معروفة بالنسبة لمختلف القضايا الإقليمية، فزيارة الرئيس التركي عبد الله غل ربما لتكريس الصورة التي يتم بناؤها بين البلدين، لكن توقيتها يعتبر مؤشرا أساسيا على نوعية ما يحدث في المنطقة، فالحركة الدبلوماسية النشطة تؤكد أن هناك سيناريو يتم الترويج له، وأن تصريحات نتنياهو ومن بعده فلتمان حول الخطر الإيراني تشكل الخط الاستراتيجي في مسألة "الحل" الذي يمكن أن يطرحه الرئيس باراك أوباما الذي اختار زيارة مصر، ربما لسبب أساسي متعلق بدعم التوجه الخاص بإثارة الأزمات مع طهران.

بالطبع فإن تركيا وسورية ينظران إلى المسألة من زاوية أخرى، فاحتلال العراق كان يمكن أن يؤدي لانهيار متتابع في الشرق الأوسط، لكن تماسك دول الجوار الأساسية رسم سياسة استوعبت الصدمة وربما استطاعت أيضا أن تخلق توازنا جديدا رغم كافة الأزمات التي أصبحت من طبيعة المنطقة ككل، فالتأكيدات التركية على مسألة التسوية في وقت يتحدث فيه الرئيس عن "وجود الشريك" قبل الحديث في تفاصيل السلام توحي بأن القمة التركية - السورية تستند إلى عاملين:

الأول نوعية المخاطر التي ظهرت من جديد بفعل تجدد الحرب على الإرهاب وعلى الأخص في شبه القارة الهندية، وهو أمر يمكن أن يمتد سريعا باتجاه الشرق والغرب طالما أن هناك اختلال إقليمي واضح عبر احتلال العراق، فالدولتين حتى في حديثهما عن التسوية أو عن وحدة أراضي العراق، يحملان نفس الهاجس من عمليات التفتيت التي تقودها الحرب على الإرهاب رغم اختلاف الضروف الموضوعية السورية والتركية.

الثاني حدود التحرك السياسي التي تبدو اليوم أنها خرجت من إطار "النوايا الحسنة" التي أعلنتها إدارة أوباما، فالواقع السياسي أعاد فرض نفسه وهذه المرة من خلال "حكومة إسرائيلية" تملك أولويات مختلفة أو ربما تفسيرا متناقضا في موضوع الاستقرار الإقليمي، والواضح أن ارتجاج العلاقات الإقليمية بعد حرب غزة وخاصة الموقف التركي مما حدث خلف أيضا أزمة ثقة فيما يخض الدور التركي عموما، وهو ما يجعل أنقرة وطهران يدفعان علاقتهما بشكل أسريع لتحديد نوعية الاستقرار المنشود قبل ظهور سيناريو "حرب" جديد بعد حديث نتنياهو عن "عدو مشترك" لكن هذه المرة موجود في الشرق!!!

بالطبع فإن استقراء وجود مثلث إقليمي ما بين طهران ودمشق وأنقرة أمر لم يعد بعيدا عن الحسابات السياسية، وإذا كان من الصعب "كبح إسرائيل" عن القيام بمغامرة عسكرية جديدة، إلا أنه على الأقل يمكن تضيق المساحة التي تتيح لها القيام بمثل هذا الأمر على الأخص قبل زيارة نتنياهو إلى واشنطن، فزيارة غل ربما لم تحمل موقفا سياسيا جديدا، لكن بلا شك تؤكد على أن التوازن الإقليمي يقوم اليوم على أساس هذا التشكيل الذي لا يعتبر محورا ثلاثيا، لكن ضروري للبحث في أي أزمة تعضف بالمنطقة.