المسألة تتجاوز "قانون الإعلام" الذي سيصبح بعد أشهر مجرد "جدل" ظهر ثم اختفى بحكم سرعة الحدث وقدرة الإعلام على المتابعة والنسيان، فما نحتاجه حقيقة هو "الموقع" الذي يجعل من الإعلام قادرا على التأثير في الرأي العام، أو جعل هذا الرأي عاملا أساسيا في حل أي أزمة أو تفكيكها أو حتى تصعيدها.

عند أي إشارة حول مسألة قانون الإعلام يظهر أمامنا العديد من المصطلحات التي وسمت هذا الموضوع ابتداء من "صاحبة الجلالة" وانتهاء بالسلطة الرابعة، وكلنا يقين أنها لا تملك هذه السطوة بل ربما على العكس لأنها متداخلة مع كل المصالح الموجودة داخل المجتمع، فاستقلالها أو موضوعيتها أمر يحمل الكثير من إشارات الاستفهام، ولهذا الأمر تحديدا يبدو قانون الإعلام وكأنه تركيب غريب على عقدة الإعلام الذي تسرب إلى مختلف الشرائح الاجتماعية.

تفاصيل قانون الإعلام الذي سربته بعض المواقع الالكترونية ليست مسألة أساسية، فالمهم قبل أي انتقاد ما هو الإعلام الممكن اليوم، وهل ثورة الاتصالات تشكل زاوية لقلب منهج تفكيرنا بهذا الموضوع؟ المسألة ليست مبكرة لأننا مازلنا نتعامل مع إعلام هو مصدر لرسالة موجهة لشخص آخر، في زمن أصبحت المدونات هي مصدر معلومات يرفضه الكثيرون لكنها واقع قائم يتم الاعتماد عليه.

هذا التبدل الحاصل يمس حتى البث الإعلامي الذي يحتاج لتمويل ضخم ولقدرات تقنية كبيرة، لكنه في نفس الوقت يدخل صراعا مع العملية الإعلامية التي أصبحت قائمة على "المصدر المطلع" و "شاهد العيان" وعلى الكثير من المشاهدات المكتوية على المدونات التي شكلت جمهورا وتجمعات وهي طرف في المعادلة الإعلامية اليوم ما يزال البحث قائم فيها وفي صياغتها المستقبلية.

ما يمكن رؤيته اليوم في أي حديث عن قانون الإعلام أننا لا نستطيع قراءته وفق مواد، أو حتى أحكام تنفيذية، ففي النهاية هناك عملية اتصال أصبحت مبعثرة، ولم تعد أي مؤسسة إعلامية قادرة على التنصل من الطرف الآخر الذي بدأ ينتج المعلومات، وهو ما يجعل أي قانون قائم على المعالات القديمة مجرد شكل سنحتاج لإعادة النظر به بعد أقل من عام.

سيعلق البعض على التفاصيل وعلى طريقة الربط القائمة للمؤسسات الإعلامية، وسيحتج البعض على الأحكام أو يتحدث عن تضييق الحريات، لكن المسألة هي أننا أمام "عالم إعلامي" جديد بالكامل من الصعب النظر إليه بمنهج تقليدي، أو البحث في أطراف ظلت لسنوات محتكرة للعمل الإعلامي (تلفزيون، راديو، مطبوعة) فنحن أمام فضاء إعلامي متأصل في شكله الافتراضي، ويحتاج بالفعل لثقافة مختلفة قبل أن نحتج أو نقر "قانون الإعلام"، ويكفي أن نزور بعض المواقع (فيس بوك، هاي فايف، ماي وي) لكي نعرف أننا بالفعل أمام وجه مختلف.