ثلاثون عاما فترة كافية حتى تتضح صورة الشارع الإيراني، لكن هذه العقود لم تكن ببعد واحد، فهي انطلق بصورة مضطربة وربما اشتعلت المنطقة بعد التحول الاستراتيجي الذي حملته الثورة الإيرانية، فرغم الحروب القاسية التي شهدتها الجبهة الإيرانية لكن المعطى الأهم ارتبط في البداية بمسألة "أمن الخليج" وانتهى بمعادلة إقليمية أصبحت إيران فيها عاملا دفعته الولايات المتحدة باتجاه الذروة بعد احتلال العراق.
ما يحدث في إيران ربما يكون "شأنا" داخليا مرتبطا بجغرافيتها السياسية الحالية، لكنه في النفس الوقت سيحمل معه رؤية مختلفة للمنطقة بعد ان تجاوز التناقض مسألة الخلافات الخاصة بسياسات نجاد وموسوي وانتقل نحو مساحة أوسع في تحد واضح بعض الأحيان للمرشد الأعلى أو لـ"ولاية الفقيه"، فبعد عقود من النمو الإقليمي هناك واقع داخلي لا يمكن تجاوزه حتى مع إمكانية انتهاء الاضطرابات، وربما في ظل مثل هذا الواقع فإن التحول يصبح ممكنا، او حتى التعامل الخارجي سيحمل معه احتمالات جديدة.
ففي إيران اليوم شارع غاضب، وتمهيد إعلامي واضح للتعامل مع طارئ جديد ظهرت بوادره قبل الحملات الانتخابية، فالتفجيرات الأمنية لم تتوقف وسط أجواء سياسية وضائقة اقتصادية واضحة، لكن المسألة ليست اختراقا داخل "النظام الإيراني" الذي بدا منسجما مع نفسه لسنوات طويلة، بل هي أيضا نوع من رؤية إيران لنفسها في جمهورية تبدو كحالة فريدة في الشرق الأوسط.
في موقع آخر هناك من سينظر إلى "سقف الاحتمالات" في إيران على أنه تحول "داخل النظام"، وهذه الرؤية ظهرت من الولايات المتحدة و "إسرائيل"، لكن الحديث عن "شرخ" أو "خلاف" داخل المؤسسة السياسية الإيرانية لا يمكن التوقف عنده على أساس الخلاف في "الرأي"، فالتحولات الكبيرة غالبا ما تسير عكس ما هو متوقع، والتحول باتجاه سياسي جديد هو أمر ممكن اليوم رغم طبيعة "الخلاف" الذي يحكم أزمة إيران الداخلية.
التطورات القادمة ستحمل بالتأكيد نظرة مختلفة للقوة الإقليمية الإيرانية، التي تعيش اليوم أزمة داخلية يمكن أن تتجاوزها، ولكن في نفس الوقت فإنها ستترك أثرها العميق على مساحة إقليمية متخمة بالحروب، أو حتى بالأزمات التي أصبحت إيران جزءا منها أو من تشكيلها السياسي العام، لكن هذا الأمر ليس بالضرورة يصب في مصلحة الإستراتيجية الأمريكية حتى ولو كانت تناصب النظام السياسي الإيراني العداء، لن التجربة العراقية أثبتت أن المسألة أعقد من التحولات الاعتيادية، وتاريخ الولايات المتحدة مع طهران كان يحمل دائما الكثير من المفاجآت، وحتى التدخلات، فهل علينا اليوم تذكر "الثورة ضد مصدق"...