لم تعد مسألة تعيين "عودة" السفير الأمريكي إلى دمشق مجرد توقعات أو تكهنات أو تسريبات تنقلها الصحف الأمريكية أم غيرها، بل أصبحت حقيقة مرتبطة بقرار معلن وصريح من الرئيس الأمريكي باراك أوباما.. وعلى أية حال فإن تعيين سفير أمريكي في دمشق بعد غياب دام أربع سنوات، هو مسألة متوقعة، إن لم تكن مؤكدة، ولكتها كانت مجهولة التوقيت، وهذا ما كان يقتضيه المسار الطبيعي للخطاب السياسي الأمريكي الجديد تجاه العالم بشكل عام، وتجاه سوريا بشكل خاص.

الخطوة، على رمزيتها، تبدو غاية في الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة ودمشق في آن معاً. فواشنطن تريد أن تؤكد على أرض الواقع أنها ماضية في انفتاحها وتعزيزي خطوات الحوار لبناء الثقة والتعاطي مع كل الأطراف المعنية بعملية التسوية وبأزمات المنطقة عموماً بعيداً عن "تحييد أو تجاهل" أي طرف كما كان يحدث في عهد الرئيس جورج بوش. أما دمشق فتريد أن تثبت أن القطيعة السابقة مع واشنطن لم تكن بسبب مواقفها من أزمات المنطقة التي ما تزال في معظمها على حالها، إنما كانت بسبب "رعونة وصلف" في سياسة الإدارة السابقة، أدت إلى ما وصلت إليه من تجميد للأزمات أحياناً، وأحياناً أخرى إضافة مزيد من التعقيدات عليها.

دمشق التي انتقلت منذ مؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط في العام الماضي وحتى اليوم، من ضفة "العزل والتحييد" التي حاولت أن تفرضها الإدارة الأمريكية السابقة ولم تنجح بها، إلى ضفة اللاعب المهم الذي لا يمكن تجاهله أو المرور من فوقه، هي اليوم تضيف إلى مكاسبها مكسباً جديداً بعودة السفير الأمريكي إليها، فضلاً عن "الزحمة" الدبلوماسية التي تشهدها دمشق ذهاباً وإياباً في الأشهر الماضية.

تعيين السفير الأمريكي في دمشق لا يمكن التعامل معه على أنه بداية مرحلة جديدة في العلاقات الأمريكية السورية، فالمرحلة ابتدأت قبل هذا القرار، وبالتالي فإن التعيين يأتي في سياق مرحلة لاشك في أنها ستستمر بما يتلاءم مع الواقع الجديد في المنطقة، ومع ما حدث من متغيرات أدت إلى ظهور قوى إقليمية باتت تلعب دوراً في ملفات المنطقة ويمكن لها أن تؤثر فيها إن مباشرة أو مداورة.. فضلاً عن الإرباك الواضح في العلاقة الأمريكية الإسرائيلية بعد وصول اليمين ويمين اليمين المتطرف إلى السلطة في "إسرائيل" وما سببته الخطابات والتصريحات العنصرية لمسؤولي الحكومة الإسرائيلية من حرج لإدارة الرئيس أوباما التي اكتفت أحياناً بإشادات أو تلميحات خجولة على عكس الماضي، وأحياناً أخرى اكتفت بالصمت، الذي لا يخلو من حرج أو استياء!!.

المسار الطبيعي لـ "الانفتاح" الأمريكي الجديد على العالم عموماً وعلى دمشق خصوصاً، كان يقتضي كخطوة "طبيعية" أن يتوج بعودة السفير الأمريكي إلى دمشق، لكن السؤال المهم اليوم: ماذا بعد تعيين السفير الأمريكي في دمشق؟.. وماذا بعد "انفتاح" واشنطن على قوى حليفة لدمشق "حماس وحزب الله" حتى ولو كان هذا الانفتاح مداورة عن طريق حلفاء وأصدقاء واشنطن الأوروبيين وعن طريق مبعوثيها غير الرسميين ـ الرئيس الأسبق جيمي كارتر على سبيل المثال ـ؟.. ما الذي تخبئه واشنطن للمنطقة في الفترة المقبلة؟..

فيما يخص رؤية دمشق ودورها فالمسألة واضحة بالنسبة لواشنطن وهي لا تخفي هذا.. لكن ما هو مجهول وغير واضح حتى اللحظة هو الرؤية الأمريكية والدور الأمريكي المقبل في المنطقة!!.