منذ تسلم باراك أوباما مهامه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية وحتى اليوم، لم تنقطع الرسائل الأمريكية ـ السورية المتبادلة، سواء أكان بالغمز عبر أكثر من قناة، أم بالتلميح عبر المرور على حواف وهوامش المشاكل العالقة، أم بالتسريبات الإعلامية و"المصادر الدبلوماسية المطلعة" في دمشق وواشنطن، أم بالتصريح العلني، أم بالمواقف الصريحة التي لا تحتمل أكثر من تأويل أو تفسير واحد.

هي رسائل تكشف، بلا شك، عن رسم مسار جديد للعلاقات السورية ـ الأمريكية، يختلف عن حال القطيعة والتوتر الذي كان سائداً في عهد الرئيس جورج بوش الابن.. المسار الجديد مهّدت لرسمه بالطبع التوجهات المختلفة والجديدة لإدارة الرئيس أوباما، وساهمت في تحديد ملامحه الأولية ـ التي ما تزال غير واضحة حتى الآن ـ الاستجابة السورية لنمط أمريكي سياسي جديد "منفتح على الحوار" يبدو من حيث المبدأ أنه مختلف كلياً عن سابقه.

لكن، ومن باب الإنصاف، لا بد من التذكير أن باريس ـ ساركوزي كانت قد سبقت واشنطن ـ أوباما في فتح مسارٍ مشابه مع دمشق في أواخر عهد الإدارة الأمريكية السابقة الذي اتسم بالتهدئة بقصد توفير مناخات مناسبة لتسلم الإدارة الأمريكية الجديدة.. وليس مصادفة أن يكون مسار باريس ـ دمشق يحمل العنوان نفسه: "الانفتاح والحوار" وأن تكون الاستجابة السورية نفسها وضمن ما يفيد مسارات "الانفتاح والحوار" الجديدة والبعيدة عن خط "الوعيد والعقوبات والعزل" البائد، وضمن ما يحفظ ثوابت دمشق.

واشنطن، وقبلها باريس، تعلن على الملأ أنها أجرت مراجعة لسياسات الإدارة السابقة "الصلفة والخشنة" واكتشفت أنها لم تجدِ نفعاً، ولم تخدم إيجابياً أي ملف أو أزمة من أزمات المنطقة، بل على العكس زادتها كلها تأزيماً وتعقيداً.

إذاً، "الانفتاح" بديلاً عن "المقاطعة" و "الحوافز" بديلاً عن "العقوبات" و "الحوار" بديلاً عن "العزل".. هذه هي البدائل المعتمدة اليوم في تعامل وتعاطي الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، مع دمشق.. لكن ذلك لا يلغي بكل تأكيد أن ما كانت تطلبه أوروبا والولايات المتحدة من دمشق في عهد الرئيس بوش هو نفسه ما تطلبه اليوم!!.. والسؤال المطروح اليوم: ما الذي تغيّر إذاً؟!..

في الدوائر الغربية، وعلى رأسها واشنطن، المتغير الوحيد هو في آلية وأدوات التعاطي، مع المحافظة على المطالب نفسها، وإن كان بأسلوب أكثر "لباقة ولياقة" إن جاز التعبير.. أما في دمشق فإنه من الواضح أن الدبلوماسية السورية استطاعت الصمود على مدى سنوات، لتؤكد أنها اللاعب الأساسي في المنطقة والورقة الصعبة التي لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها عندما يتم التعاطي مع أزمات المنطقة، واستطاعت كذلك تجاوز السنوات الماضية الصعبة، محتفظة بتحالفاتها وخياراتها العربية والإقليمية، وربما بطريقة أكثر رسوخاً ووضوحاً من ذي قبل.

وعلى الرغم من كل ذلك، ما تزال الرسائل الأمريكية ـ السورية المتبادلة، وبمختلف أشكالها وأنواعها، مستمرة، وربما كان آخرها زيارة الرئيس الأسد الأخيرة إلى طهران التي كانت رسالة أكثر من واضحة، مفادها أن الانفراج في العلاقات السورية ـ الأمريكية، والعلاقات السورية ـ الأوروبية، وحتى الانفراج في بعض العلاقات السورية ـ العربية، مضافاً إليها الانفتاح الغربي على دمشق ورسائل "التشجيع والحوافز" والشكر وو.. كلها لن تكون على حساب "فك الارتباط والتحالف" بين دمشق وطهران!!

فهل ستلتقط الولايات المتحدة ومعها أوروبا وبعض الأطراف العربية هذه الرسالة الواضحة؟..