لا شك أن لباس المجتمعات بشكل عام والمرأة بشكل خاص كان محكوماً بالطبيعة الجغرافية والمناخية للبلدان إضافة إلى التأثيرات والاعتبارات الاجتماعية والدينية.
إن ظهور حجاب المرأة في المجتمعات العربية كان سابقاً للإسلام، حيث كانت المرأة في الجاهلية تغطي رأسها وجسدها، ثم جاء الإسلام وأكد على أهمية الحجاب في الحشمة، علماً بأن علماء الدين يختلفون فيما بينهم بالشكل المفروض للحجاب (هل هو منديل أو نقاب، وما يجب ستره من الجسد، . . . ).
كما شددت الديانات عموماً ومنها المسيحية على أهمية الحشمة وستر الجسد، وشددت على الراهبات بضرورة تغطية أجسادهن ورؤوسهن.
كما انتشرت ظاهرة غطاء الرأس في بعض المجتمعات ومنها المسيحية لأسباب بيئية تتعلق بضرورة عدم تعريض الرأس والشعر للشمس أثناء العمل في الزراعة، وتحولت بعدها إلى ظاهرة اجتماعية، وما زال العديد من النساء المسيحيات في الريف السوري يغطين رؤوسهن بمنديل، كما كان بعض النساء المسيحيات اللواتي يعشن كأقليات في مجتمعات مسلمة يغطين رؤوسهن أسوة بغيرهن من النساء المسلمات (النساء المسيحيات في بعض قرى ريف دمشق مثل عربين).
إلا أن غطاء رأس المرأة تغير في المجتمعات نظراً لتغير أدوار المرأة في المجتمع، وتغير أنماط الحياة والسكن والتنقل، فلم تعد المرأة تمشي تحت أشعة الشمس لفترة طويلة، لذا خلعت معظم نساء العالم تقريباً غطاء الرأس باستثناء المرأة المسلمة التي اعتبرته فرضاً دينياً عليها.
كما أن لباس المرأة العربية في العصور الحديثة تأثر بالمتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية التي كانت تحكم المجتمعات العربية، ففي ظل الاحتلال العثماني كانت المرأة السورية تلبس النقاب (الذي يغطي كامل الرأس والجسد) خاصة في المدن، ومع انتهاء الحكم العثماني وخضوع سورية للانتداب الفرنسي وانفتاح سورية نسبياً على العالم الخارجي تفتحت المرأة السورية وخلعت نسبة من النساء النقاب أو الحجاب، وكذلك حصل في مصر مع ثورة هدى شعراوي ومناصريها على الإقطاع السياسي والسلطة الدينية في مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وهذا ما أدى إلى تخلي المرأة المصرية عن حجابها حتى ثمانينات القرن الماضي، وإن المتتبع للأفلام الوثائقية السينمائية المأخوذة في شوارع وصالات مصر يلحظ بأنه لم يكن أحد من النسوة في مصر يضع حجاباً أو غطاءً على الرأس.
كما أن انتشار ظاهرة الحجاب تختلف في البلد الواحد، حيث تزداد نسبتها في الريف وأطراف المدن والعشوائيات السكنية، كما تزداد في المجتمعات الأكثر فقراً والأقل تعليماً.
يلاحظ في الآونة الأخيرة انتشار ظاهرة الحجاب في المجتمعات المسلمة بشكل عام والعربية بشكل خاص وذلك بشكل ملفت ومضطرد، ويعزو البعض ذلك إلى ما يسمونه بالصحوة الدينية وانتشار ظاهرة التدين، والتي تعود للأسباب التالية:
· فشل الأحزاب التي تشكلت في سورية إبان الانتداب الفرنسي وبعده (خاصة اليسارية منها)، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني (على قلتها) في تحقيق آمال وتطلعات الشعوب، فما كان لهذه الجماهير إلا العودة إلى الأصول والسلف والدين.
· تأثر المجتمعات العربية بالثقافة الإسلامية المحافظة الموجودة في الخليج العربي وخاصة السعودية نتيجة توافد أعداد كبيرة من العرب للعمل فيها، وتأثرهم بالعادات والقيم السائدة (بما في ذلك الميل للتدين والتشبه بالملبس والحجاب)، وكذلك دور الإعلام والفضائيات السعودية في نشر ثقافة التدين.
· قامت الولايات المتحدة إبان محاربتها للاتحاد السوفييتي (الشيوعي) باللعب على وتر الدين لدى الشعوب العربية والمسلمة لمساندتها في حربها، وقامت بتعبئة جيش من المجاهدين للمشاركة في القتال الدائر ضد السوفييت في أفغانستان، حتى أن الرئيس الأمريكي رونالد ريغان اجتمع مع مجموعة من المجاهدين في البيت الأبيض وأثنى على جهودهم في محاربة الشيوعية والكفر، وهم الآن أعضاء في تنظيم القاعدة والطالبان.
· لعبت بعض الحكومات العربية (خاصة مصر ودول الخليج)، من خلال وسائل الإعلام التي تملكها بإزكاء التعصب الديني من خلال تصويرها لبعض الحروب القائمة في العالم على أنها حروب دينية، مثل حروب البلقان والشيشان، في حين ولحسن الحظ فإن الحكومة السورية والإعلام السوري عرض الحرب بأسبابها الموضوعية الحقيقة (أي صراع قوميات).
· إحساس الشعوب المسلمة والعربية في العالم بعد أحدث أيلول 2001 وسيطرة الولايات المتحدة على العالم وقيامها بشن الحروب (على أفغانستان، والعراق) بأنها مستهدفة لدينها وثقافتها وأن الحروب الدائرة هي حروب دينية مستشهدين بما قاله الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بأنها حروب صليبية، علماً بأن الحقيقة بأن غاية هذه الحروب هي صراع مصالح وسيطرة على العالم.
· تراخي بعض الحكومات والأجهزة الأمنية مع الإسلاميين والأحزاب الدينية بهدف كسب ودهم، وهذا ما أدى إلى انتشار ظاهر الإعلام الإسلامي والدعاة، والدور الذي لعبوه في نشر ثقافة الحجاب.
لا شك بان قانون حقوق الإنسان قد كفل لكل إنسان الحق في اختيار دينه وطريقة عبادته، وكذلك طريقة معيشته ومسكنه وملبسه، ونحن مع هذا القانون نؤكد بأن الحرية كلٌّ متكامل لا يتجزأ، على ألا يكون أيٌ منا وصياً على أحد أو على الآخر المختلف، وألا نحكم على الآخرين من خلال نظرتنا الضيقة للعفة والحشمة والأخلاق.