الكاتبة : ربى الحصري
الطلاب في بريطانيا منزعجون... وللحق فإن "الهيئات التدريسية" أكثر انزعاجا فمسألة التعليم تملك حساسية خاصة في المملكة المتحدة، وربما يعود السبب إلى الدور الخاص التي قامت به الجامعات في دور المملكة، ولكن النظرة اليوم تبدو مختلفة، وهي تنطلق من الرؤية لهذا القطاع الذي يراه البعض يميز الأداء البريطاني، وربما يبقى كتراث بعد ان تنحت بريطانيا عن موقعها القديم، لكنه بقي يقدم "الأبحاث" التي تشكل عنوانا خاصا في شخصية الجزر البريطانية.
القضية بالطبع معقدة وربما لن يهتم القارئ العربي بنوعية "الاستثمار في التعليم" الذي تقدمه بريطانيا، لكن هناك نقاط أساسية ستبقى حاضرة في مسألة التعامل مع قطاع التعليم، فالصورة الكلاسيكية للجامعات البريطانية كمركز لـ"صناعة النخب" التي كانت تأتي أساسا من "طبقة معينة" لا تعبر بالضرورة عن واقع المؤسسة الأكاديمية البريطانية، حيث لا توجد حدود واضحة ما بين المصالح الاجتماعية والجامعات، وكمثال أوضح فهناك شبكة معقدة تربط البنى الأساسية مع الجامعات، وهو ما يدفع اليوم "الهيئات التدريسية" للغضب قبل الطلاب مما يحدث، لأنه يوحي بعملية خصخصة حسب بعض التصريحات وهذا يعني أمرين:
– الأول أن ما يجري ربما يكون أوسع من مجرد تقليص نفقات، فهو يوحي بدفع "الاستثمار التعليمي" والمرتكز أساسا إلى الأبحاث إلى خارج نطاق الجامعات البريطانية، فتقليص الموارد يعني في النهاية تقليصا للموارد البشرية التي ستجد نفسها مضطرة للعمل على الأغلب في جامعات خارج المملكة.
– الثاني هو تغير ارتباط البنية التعليمية مع باقي المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى، والاجتماعي أيضا، وهو أمر سيؤدي في النهاية إلى تغير واضح في علاقة التعليم الأكاديمي مع الحركة الاجتماعية.
في الحقبة "الثاتشرية" عندما كانت مارجريت ثاتشر في بداية ثمانينات القرن الماضي تعيد رسم الاقتصاد البريطاني تم تصفية الصورة الانكليزية المعروفة، ولم تفقد بريطانية فقط صورتها الصناعية أو الاقتصادية أو حتى الإعلامية، ولكنها تأثرت سياسيا أيضا، وهذا لا يعني أن تلك الحقبة كانت سيئة بالضرورة، فهي صاغت الممكنات البريطانية من جديد بعد أكثر من عقد على انتهاء عصر المستعمرات البريطانية الضعيفة، وما يحدث اليوم يشبه ببعض ملامحه تلك المرحلة.
الجامعات في بريطانيا غالبا ما كانت بعيدة عن "ثورات الطلاب" المعروفة مثل الانتفاضات التي عمت أوروبا عام 1968، حيث احتفظت بشكلها الخاص وبقدرتها على التوازن مثلها مثل المجتمع البريطاني، فهي قدمت ماركس وإنجلز دون ان تصبح شيوعية، وهي انتفضت بمسيرة مليونية ضد احتلال العراق دون أن توقف الحكومة قرار المشاركة في الحرب... وربما علينا الانتظار قليلا حتى نشاهد ماذا يمكن أن يصبح عليه المشهد في جامعات تملك تقاليد رغم انها تعاني سنويا من هجرة العقول الموجودة فيها.